هو أهم أيام السنة و أكثرها روحانية هو أسبوع مملوء بالذكريات المقدسة في أخطر مرحلة من مراحل الخلاص ، و أهم فصل في قصه الفداء وقد اختارت الكنيسة لهذا الأسبوع قراءات معينة من العهدين القديم و الحديث ، كلها مشاعر و أحاسيس مؤثرة للغاية توضح علاقة الله بالبشر كما اختارت له مجموعة من الألحان العميقة ، ومن التأملات و التفاسير الروحية وقد كان آباؤنا القديسون في عصور الكنيسة الأولي يلاقون هذا الأسبوع بكل هيبة و توقير ، و يسلكون فيه بنسك شديد للغاية كانوا يمتنعون فيه عن أي طعام حلو المذاق (( من الأطعمة الصيامية )) كالحلوى و العسل والمربي مثلاً ، لأنه لا يليق بهم أن يأكلوا وهم يتذكرون آلام الرب من أجلهم . والبعض ما كانوا يطبخون في هذا الأسبوع شيئاً علي الإطلاق ، بسبب النسك من جهة ، ولكي لا يشغلهم أعداد الطعام عن العبادة من جهة أخري . و غالبية الناس ما كانوا يأكلون فيه سوي الخبز و الملح . و القادرون منهم كانوا يطوون الأيام صوماً ، وكانوا يمتنعون عن الطعام من عشية الجمعة إلي ساعة الإفطار في العيد . و النسك في هذا الأسبوع كان يشمل الزينة أيضاً . و لذلك كان النساء فيه يمتنعن عن التزين ، بل يمتنعن أيضاً عن لبس الحلي و كان هذا الأسبوع مكرساً كله للعبادة ، يتفرغ فيه الناس من جميع أعمالهم ، و يجتمعون في الكنائس طوال الوقت للصلاة و التأمل كان الملوك و الأباطرة المسيحيون يأمرون أن تتعطل دواوين الحكومة و مصالحها خلال هذا الأسبوع ليتفرغ الناس للعبادة . بل كانوا يسمحون بخروج المحبوسين لكي يذهبوا هم أيضاً إلي الكنيسة و يشتركوا في صلوات هذا الأسبوع العظيم لعل ذلك يكون تهذيباً لهم و إصلاحاً . وممن فعلوا ذلك الإمبراطور ثيئودوسيوس الكبير . وكان السادة يمنحون عبيدهم عطلة طول أسبوع
البصخة ، فلا يشتغلون هم أيضاً بل يعبدون الرب . وهكذا لا تكون روحيات السادة مبنية علي حرمان العبيد ، بل الكل للرب ، يعبدونه معا و يتمتعون معا بعمق هذا الأسبوع و تأثيرة ..
طقس هذا الأسبوع
والكنيسة المقدسة تركز كل مشاعرها خلال أسبوع الآلام حول آلام المسيح فقط ، وليس أي موضوع آخر حتي أنها تلغي الصلاة بالمزامير خلال أيام البصخة هذه لأن المزامير تحوي مواضيع كثيرة ، و إشارتها إلي السيد المسيح ، تشمل ميلاده و خدمته و قيامته و صعوده و جلوسه عن يمين الآب و مجيئه الثاني في المجد ، بينما نحن نريد أن نركز كل صلواتنا و تأملاتنا حول موضوع واحد هو ألام المسيح و بدلا من الصلاة بالأخبية و المزامير ، تصلي الكنيسة تسبحة خاصة بالبصخة ، تقول فيها للرب خلال آلامه عنا (( لك القوة و المجد و البركة و العزة إلي الآبد آمين يا عمانوئيل ألهنا وملكنا )) (( لك القوة والمجد و البركة و العزة إلي الآبد آمين يا ربي يسوع المسيح )) (( لك القوة و المجد والبركة و العزة إلي الآبد آمين )) ثم تضيف عبارة (( مخلصي الصالح )) إلي الفقرة الثانية و ذلك من ليلة الأربعاء لأن التشاور علي تسليم المسيح له المجد كان الخطوة العملية التي قادت إلي تنفيذ عمل الخلاص هذه التسبحة نصليها في كل ساعات النهار و الليل و هي عشر صلوات ، خمس بالنهار و خمس بالليل و نعني بها صلوات الساعة الأولي ، و الساعة الثالثة ، و الساعة السادسة ، و الساعة التاسعة ، والساعة الحادية عشرة في كل صلاة منها ننظر إلي مخلصنا الصالح في آلامه ، ونقول له : نحن نعلم من أنت أنت ( لك القوة و المجد و البركة و العزة إلي الآبد آمين )) و بهذه التسبحة نتتبع السيد المسيح خطوة خطوة معه ، في كل أحداث الأسبوع الأخير السابق للصلب فما هي أحداث هذا الأسبوع ، وما هو موقف الكنيسة منها ؟
كيف بدأت هذه الآلام ؟
في يوم الأحد أحد السعف ، أو أحد الشعانين ، ذهب السيد المسيح إلي أورشليم حيث استقبله الشعب استقبالاً رائعاً كملك بالهتاف و بسعف النخل و بالتسابيح فارشين أرديتهم تحت قدميه و ارتجت المدينة كلها لمقدمة ( متي 21: 10) فكانت النتيجة أن تضايق من ذلك جداً رؤساء الكهنة و قادة الشعب من الكتبة و الفرسيين و الصندوقيين وحسدوه علي هذه المحبة العظيمة التي له في قلوب الناس و فكروا في أن يتخلصوا منه وزادهم ضيقاً أنه دخل بسلطان إلي الهيكل و طهره مما فيه من بيع و شراء ، حتي قالوا له بأي سلطان تفعل هذا (( متي 21: 23 )) ومن ذلك الحين فكروا عملياً في قتله ، قائلين بعضهم لبعض (( هوذا العالم قد سار وراءه ))((يو 12: 19 ))هؤلاء الرؤساء أرادوا قتله حسداً ولكن ما هو سر تحول الشعب من هذا الاحتفال الكبير به كملك إلي قولهم فيما بعد ((اصلبه ، اصلبه )) ( لو 23: 21)) لعل السر في هذا ، هو أن السيد المسيح رفض الملك العالمي الذي عرضوه عليه ، لأن مملكته روحية ليست من هذا العالم و بهذا خيب آمالهم العالمية التي ظهرت في هتافهم عندما أستقبله قائلين (( مبارك الآتي باسم الرب مبارك مملكة أبينا الآتية باسم الرب )) ((مر 11: 9 ، 10)) وهكذا استطاع أن يقنعهم الرؤساء بأن آمالهم قد خابت في المملكة المنتظرة و كرد فعل ينبغي التخلص من هذا الناصري !!ومن هنا بدأت فكرة قتله تتحين فرصة للتنفيذ و لذلك تحتفل الكنيسة ببدء أسبوع الآلام بعد قداس أحد الشعانين الكنيسة كلها تجلل بالسواد القماش الأسود ، يحيط بالأيقونات و بالمانجلية و بأعمدة الكنيسة ، أحياً بالجدران أيضاً و أي داخل إلي الكنيسة يشعر أنها في حالة حزن و ألم ، مشاركة للمسيح ألهنا في ألمه كما قال القديس بولس الرسول لأعرفه و قوة قيامته و شركة آلامه )) (في 10:3 )
الجناز العام
الكنيسة طول أسبوع الآلام منشغلة باآلام المسيح و حده لا تفكر في شئ آخر غيره ، ولا ترفع بخوراً . لذلك أن توفي أحد في هذا الأسبوع لا يرفع عنه بخور كسائر الجنازات ، بل يدخل إلي الكنيسة و يحضر صلوات البصخة ، وتتلي عليه القراءات لذلك يقام جناز عام بعد قداس أحد الشعانين من أجل أنفس الذين ينتقلون في البصخة المقدسة و يصلي علي الماء لهذه المناسبة هذا الماء يظنه بعض العوام و غير العارفين إنه من أجل تكريس السعف و هو من أجل الجناز العام علينا خلال صلوات هذا الجناز أن نقف معترفين لله بخطايانا ، مقدمين توبة صادقه نحن لا نضمن حياتنا ربما تكون هذه الصلوات من أجلنا أطال الله أعماركم بعد هذا الجناز و صرف الشعب ، يبدأ الانتقال إلي خارج المحلة
خارج المحلة
كانت شريعة العهد القديم تقتضي بأن ذبيحة الخطية تحرق خارج المحلة (( لا 4: 12، 21) أنها تحمل الخطايا ، فلا يصح أن تنجس المحلة ، بل تحرق خارجاً و هكذا المسيح أيضاً الذي حمل خطايا العالم كله ، تألم خارج الباب ، خارج المدينة المقدسة حسبوه خاطئاً ، فأخرجوه خارج و أتبعه بقوله :فلنخرج آذن إليه خارج المحلة ،حاملين عاره )) ( عب 13: 12)والكنيسة المقدسة التي هي في أسبوع البصخة تتبع الرب في كل خطواته هي أيضاً تخرج معه خارج المحلة لذلك يغلق الهيكل و يسد الحجاب ، و تترك الكنيسة الخورس الأول خورس القديسين ، و تنقل المانجليا إلي الخورس الثاني و تصل بعيداً عن المذبح ، بعيداً عن الهيكل ، خارج المحلة معه ، حاملين عاره نقول له خارج المحلة (( لك القوة و المجد و البركة و العزة إلي الآبد أمين) و بهذه التسبحة تتبع السيد المسيح في آلامه خطوة خطوة وما أجمل ما نتأمل في كلمات هذه التسبحة ، لنعلم ماذا نقوله للرب في آلامه.