إحراق أكبر مكتبة ارثوذكسية في الشرق

إحراق أكبر مكتبة ارثوذكسية في الشرق ( مكتبة السائح ) طرابلس . لبنان

أفادت مراسلة "النشرة" عن احراق مكتبة السائح لصاحبها الاب ابراهيم سروج في شارع الراهبات في طرابلس.

وتضم المكتبة العديد من الكتب التاريخية والنادرة.

كنز طرابلسي في مكتبة
18 تشرين الثاني 2013
ساندي الحايك

يستقبلك الأب إبراهيم سروج من الباب الثاني لمكتبة "السائح" بالكثير من الترحاب كعادته. يدعوك للجلوس بقربه ومساعدته في قراءة أرقام معقدة على شاشة الحاسوب، قائلاً "نظري ما عاد عم يساعدني". يقرأ واضعًا نظاراته وعاقدًا "قماشة" على رأسه، من دون أن تفارقه إبتسامته الجميلة، يخاطبك بالفصحى مستعيدًا عبارات للجاحظ وأبي نواس، "أحباءه" كما يردد.
لا يعمل كاهن رعية الأورثوذكس في طرابلس وحيدا في المكتبة، بل يعاونه كل جيران الحيّ في حماية "المعلم الصامت". هم مثله متعلقين بها. يتعاون النساء على ترتيب الرفوف، وإعادة تدوين عناوين الكتب وأسماء كتابها بعد أن يكون الزمن قد جردها من ألوانها. أما الشبان فمنهمكون بتقطيع الخشب بطريقة عامودية لبناء "رف" جديد لـ"دائرة الكتب النادرة"، التي فاق عددها الـ400 كتابا نادرا أو مفقودًا، يضاف إليها بعض المخطوطات الإسلامية القديمة والمجلدات العلمية.
سروج أهمل المكتبة شكلا، وأغناها مضمونا. وصل سعر أحد الكتب لديه إلى 5 آلاف دولار أميركي. يكشف لـ"مختار" أن "ندرة الكتب التي لدينا هي التي جعلت من المكتبة مقصدا لكل سياح العالم. تضم اليوم حوالي 79697 كتابا، يتوزعون في شتى الحقول، وبمختلف لغات العالم. يعود أقدمها إلى عام 1817 للكاتب الأميركي الكولونيل تشرشل بعنوان "جبل لبنان"، ويقدر ثمن النسخة الأصلية منه باللغة الإنكليزية بـ3 ألاف دولار". ويتابع سروج ممازحًا: "كل ما تطلبه موجود، حتى القرود السود".

يعتمد سروج في بيع الكتب على الأسعار المحددة سلفا من دور النشر، أما الكتب التي يحصل عليها بطريقته الخاصة فيحدد سعرها وفقا لأهمية الكتاب ومحتواه. ومن إحدى طرقه، هي عقد إتفاق سري مع فريق السوكلين المشرف على أحد شوارع طرابلس، والذي يقضي بأن يقايضه شباب السوكلين ما يجدونه من كتب مرمية بين النفايات مقابل مبلغ من المال.
ورغم كل المعاناة التي تلف هذا الصرح الثقافي، لا ينفك بعض الناس بالتحريض لهدمه وإستثماره. كانت "السائح" عبارة عن غرفة واحدة ضيقة، تعلوها قنطرة رخامية بدل سقف من الباطون، لكن بعد سنوات أصر مؤسسوها على توسيعها. فضموا إليها الغرفة الملاصقة لها، والتي كانت عبارة عن مستودع للحديد وأدوات البناء، ويظهر ذلك بوضوح على أرض المكتبة التي لا تزال آثار الإسمنت تفترشها كشاهد على ماضيها.
لكن إحتضان "مكتبة السائح" لأغلى كتب العالم وأكثرها ندرة أفضى إلى تربص الأعين بها. ويواصل الأب سروج زياراته المكوكية إلى القضاء اللبناني، ويفيد "عندما قررنا توسيع المكتبة، تقدمنا بطلب لشراء العقار المجاور وحصلنا من المالك على "خلو أجار" لكنه يصر الآن أن الأوراق غير رسمية، بغية إسترجاعه، لكن النكتة تكمن في السجلات الحكومية، حيث إتضح أن موقع العقار غير مسجل أصلا في الخريطة العقارية لطرابس".
التجول بين دهاليز المكتبة أشبه بمعاينة واحدة من عجائب الدنيا السبع. تحاول بين أجزائها أن تفهم كيف تكون مكتبة بلا حائط؟ بلا جدران؟ قناطر ودهاليز ضيقة، ورائحة كتب قديمة تعود بك إلى زمن لم يُرفع فيه سوى راية المعرفة. تمدّ يدك لإنتشال كتاب، إصفرت أوراقه لشدة عتقه، فيتطاير الغبار من حولك.

ترفع ناظرك إلى السماء لبرهة فتلمح التشققات الباطونية في كل مكان، والنش يفترس زوايا القناطر رويدا. باتت المكتبة تتألف من الكتب وأكياس "النايلون"، التي إستخدمها سروج لحماية مكتبه الصغير من زخات الشتاء.
وكانت مكتبة السائح قد إنطلقت من أحضان حركة الشبيبة الأرثوذكسية في طرابلس القديمة. إذ تأسست عام 1970 على يد الثلاثي سمير مخول، طوني بولس، وإبراهيم سروج. ودخلت مغامرة النشر عام 1980، صدر عنها حوالي العشرة كتب، وعدد من الكراريس تحت عنوان "المنشورات الأرثوذكسية". وفي تموز 1881 أصدرت "المنشورات الجامعة"، ومطلع عام 1982 لحقتها بـ"كراسات الأورثوذكسية".
وبعد حين توقفت عن النشر، لكنها الآن معلما أدبيا سياحيا بإمتياز، فلها تاريخ قديم، عمره من عمر سروج، الاب الكهل الذي لا يهرم، والذي أغنى المكتبة بوجوده وإشرافه عليها منذ نشأتها.