الجنة والجحيم الاب جاورجيوس ميتالينوس - اليونان

الجنة والجحيم
الاب جاورجيوس ميتالينوس - اليونان

يُحكى في الأناجيل عن " الملكوت " و" النار الأبديّة ". ويتبيّن من النّص الّذي يُقرأ في أحد مرفع اللحم ( متّى الإصحاح الخامس والعشرون ) أنَّ " الملكوت " هو عبارة عن المكانة والتعيين الإلهيين للإنسان. وأمّا النار فقد " أُعدّت " لإبليس وملائكته ( أي الشياطين ) وهذا الأمر ليس لأنَّ اللهَ يرغب بهذا بل لأنَّهم لا يتوبون. أمّا " الملكوت " فقد " أُعِدَّ " لأولئك الّذين هم مُخلِصون للمشيئة الإلهيّة. إنَّ" الملكوت " أي المجد الغير المخلوق يعني الفردوس أو الجنّة وأمّا " النار " الأبديّة فتعني العذاب الأبدي. يدعو اللهُ في بداية التاريخ البشري الإنسان إلى الفردوس وإلى الاشتراك في نعمته الغير المخلوقة. ويقف الإنسان في نهاية هذا التاريخ أمام الجحيم والجنّة أو الفردوس. وسنرى لاحقاً ما معنى هذا الكلام. لكن يتوّجب علينا أولاً أن نحدّد ونقول بأنَّ هذه هي المسألة الأساسيّة لإيماننا الأرثوذكسي حجر الزاويّة بالنسبة للأرثوذكسيّة.

يُحكى في العهد الجديد في كثيرٍ من الأحيان عن الجنّة والجحيم. يقول السيّد المسيح للص في ( لوقا23: 43 ): " اليوم تكون معي في الفردوس " لكنَّ اللصَّ أيضاً يذكر الفردوس بقوله: " اذكرني يا ربُّ..... في ملكوتك" ( الآية: 42 ). وبحسب ثاوفيلاكتُس البلغاري المطوّب ( المدعو أيضاً بالأخريدي )" إنَّ اللصَّ هو الآن في الفردوس أو الجنّة أي الملكوت ". ويعترف القدّيس الرّسول بولس بأنَّه وقد كان ما يزال بعد في هذا العالم قد " أُختُطِفَ وأُخِذ إلى الفردوس وسَمِعَ كلاماً لا يُنطقُ به والّذي يستحيل على الإنسان أن يتفوّهَ به " ( 2كورنثوس12: 3-4 ). ويُقال في سفر الرؤيا: " من يغلب فسأُعطيه أن يأكل من شجرة الحياة الّتي في وسط فردوس الله " ( 2: 7 ). يُعطينا الحارث ( أريثا ) القيصري التفسير التالي: " يجب أن يُفهَمَ بأنَّه الحياة المغبوطة والأبديّة." إنَّ الفردوس أي الحياة الأبديّة وملكوت الله هما واقعٌ واحد.

ويُحكى عن الجحيم في الأماكن التاليّة: ( متّى25: 46 ) " في العذاب الأبدي " ( 25: 41 ) " في النّار الأبديّة " ( 25: 30 ) " في الظلمة الخارجيّة (متّى 5: 22 ) " نارُ جهنَّمَ " ( 1يوحنّا 4: 18 ) " يوجد حزنٌ في الخوف " حيث أنَّه تؤخذ في كلِّ هذه المواضع بعين الاعتبار عبارة " الجحيم ".

ليس الفردوس والجحيم مكانين مختلفين. إنَّ هذه هي وجهة النظر الوثنيّة عنهما، بل إنَّهما حالتان ( طريقتان ) مختلفتان تنبعان من عينٍ غير مخلوقة أزليَّةٍ واحدةٍ وتُعاش هاتان الحالتان كتجربتان مختلفتان. يتعلّق الأمر على وجهٍ أخصَّ باختبار ومعايشة حالة ذهنيّة يختبرها الإنسان بطريقةٍ مختلفة تتوافق مع حالته الداخليّة. إنَّ هذه المعايشة هي التبصُّر ( التأمُّل ) في المسيح وفي نور لاهوته ومجده الغير المخلوق والأزلي. كلُّ الناس سيرون المسيح في نوره الغير المخلوق والأزلي وفي أبديّةٍ لا متناهيّة عند مجيئه الثاني. عندها " سيخرج: الّذين عملوا الصالحات وسيقومون للحياة الأبديّة وأمّا الّذين عملوا السيئات فسيقومون للدينونة." ( يوحنّا5: 29 ) وسيُقسم الناس في حضرة المسيح إلى " خرافٍ " و " معزٍّ " وإلى واقفين عن يمينه وواقفين عن يساره. فبعضهم هم الّذين ستكون بالنسبة لهم الرؤية ( التأمُّل ) في المسيح هو فردوس ( " جمالٌ لطيفٌ للغاية " ) وأمّا الآخرون فهم الّذين سيكون بالنسبة لهم هذا التأمُّل أو الرؤية جحيم ( " نارٌ مٌحرِقةٌ " عبرانيين12: 29 )

إنَّ الفردوس والجحيم هما واقعٌ واحدٌ. يُحدّثنا مظهر المجيء الثاني عن هذا الأمر. تنبع من المسيح بحيرةٌ تكون في قسمها العلوي حيث يكون القدّيسون لامعةً كالذهب وأمّا في قسمها السُفلي حيث توجد الأرواح الشرّيرة والناس الغير التائبين فتكون هناك بحيرةٌ ناريّةٌ ( "οι μηδέποτε μετανοήσαντες أي الّذين لم يتوبوا أبداً " كما يُرّتل في إحدى طروباريات " كلُّ نسمةٍ فلتسبّح الرّبّ " في أحد مرفع اللحم ) ولذلك قيل عن المسيح في ( لوقا2: 34 ): " ها إنَّ هذا قد وُضِعَ لسقوط وقيام الكثيرين." يصبح المسيح بالنسبة للّذين قبلوه وقبلوا شفاء قلوبهم المقدَّم لهم من قبله قيامةً في حياته الأبديّة أمّا بالنسبة لأولئك الّذين رفضوهُ فسقوطاً وجحيماً.