الحجرة الخاصّة
وقف شوقي أمام أب اعترافه يقول: يا أبي، لا أعرف بماذا أعترف. أنا خاطئ، لكنّني لا أشعر بثقل خطاياي، ولا أحسّ بالتوبة وعمل الله فيّ.
تحدّث معه أب اعترافه عن الإيمان بالمخلّص غافر الخطايا، وعن وجوب الصراخ إليه لكي يعمل روحه القدّوس فيه، فيشعر بالانسحاق والندم. وفي المساء وقف شوقي يصلّي صلاة النوم، ثمّ ركع وهو يصرخ: اكشف لي يا ربّ خطاياي، فأتوب عنها، وألتصق بك، وأتمتّع ببهجة خلاصك.
لم يدرك شوقي إن كان في يقظة أم في حلم حين وجد دليلاً يقوده إلى حجرة كُتب اسمه على بابها. حاول أن يدخل الغرفة فلم يستطع، فسأل من قاده إليها: أريد أن أعرف ماذا يوجد داخل هذه الحجرة؟ ففتح الدليل الباب، فوجدها شوقي مملوءة رفوفاً على الجدران. فقال في نفسه: ما هذه الحجرة؟ إنّني أدخلها للمرّة الأولى. كيف كُتب اسمي عليها؟ ثمّ التفت فرأى أنّ الرفوف تحوي كميّات هائلة من الملفّات، وقد كُتب عليها :سريّ وخاصّ".
أمسك شوقي بأوّل الملفّات فإذا به يقرأ عنواناً: "الأصدقاء الذين أحبّهم وأشاركهم حياتهم". فتح شوقي الملفّ الضخم، فوجد مجموعة من الأوراق سُجّل على كلّ ورقة اسم صديق شرّير وفاسد. دُهش شوقي متسائلاً: من يعرف أسراري؟!! من يعرف أصدقائي وما يدور بيني وبينهم؟!! ثمّ أمسك بملفّ آخر مكتوب عليه: "الأصدقاء الذين خنتهم". فتح الأوراق فوجد تفاصيل بالأسماء والتصرّفات الخاطئة التي مارسها خفية ضدّهم بما فيها من كلمات نميمة وإدانة ونقد لاذع. ثمّ فوجئ بمئات بل بألوف الملفّات منها:
• كلمات السخرية والاستهزاء التي نطق بها.
• كلمات الكذب التي تفوّه بها.
• أفكار الغضب الباطل.
• المزاح المستهجَن وإهانة الغير.
• التمرّد على الوالدين والرؤساء.
• الإهمال في خلاص نفسه.
• الإهمال والتراخي في العبادة.
• الأفكار الشهوانيّة.
• شهوات الجسد.
• الغيرة المرّة والمنازعة.
• الحقد وعدم نسيان إساءة الغير.
• الشكّ في الآخرين.
• فضح عيوب الآخرين.
• عدم الأمانة في العمل.
• الخيانة.
كانت هذه الملفّات وغيرها مكتظّة بالأوراق تورد تفاصيل لم يكن يتذكّرها شوقي، وممّا أدهشه أنّه وجد توقيعه على كلّ ورقة. كما لاحظ بعض الملفّات تكاد لا توجد بها أوراق فيها:
• الصلاة من أجل خلاص الآخرين.
• مشاركة الغير في مصابهم.
• البذل والعطاء دون انتظار المكافأة.
• غفران الإساءة للغير.
• محبّة الآخرين.
• ممارسة الأسرار الكنسيّة من اعتراف ومناولة....
هذه الملفّات وغيرها تكاد تكون فارغة تماماً.
بدأت الدموع تنهمر من حدقتي شوقي حتّى انهار وسقط على الأرض وهو يصرخ: من ينقذني من خطاياي؟ ماذا أقول حين يدخل أحد إلى حجرتي الخاصّة؟ بماذا أجيب أمام منبر الله الرهيب؟ وفجأة وجد يداً تمسكه وترفعه لكي تحتضنه، ولاحظ فيها آثار جراحات المسامير.
- لماذا تبكي؟ أنا مخلّصك.
- ماذا أفعل يا سيّدي؟
- آمن، وأمسك بيدي، وأعلن حبّك العملي لي. سرْ معي في طريق الصليب والآلام فتتمتّع بمجدي.
التصق شوقي بشخص السيّد المسيح، وسأله ألاّ يتركه. عاد به المخلّص إلى غرفته، وهناك رسم السيّد علامة الصليب من كلّ جانب، وإذا بكلّ الملفّات تُغسل بالدم. أمسك شوقي ببعض الملفّات فوجد دم السيّد المسيح قد غطّى اسمه. لم يختفِ الاسم، لكنّ نقش اسم ربّنا يسوع أتى فوقه بحروف من نور. لقد مُسحت كلّ الملفّات المؤلمة، وتحوّلت الحجرة المظلمة المغلَقة إلى هيكل مملوء مجداً وبهاء.
انسابت دموع الفرح من عينيّ شوقي فصرخ بقوّة: لا تتركني يا سيّدي، هب لي أن أشاركك صليبك، فأتمتّع ببهائك ومجدك.
العقول الكبيرة تبحث في المبادئ،،،
والعقول المتوسّطة تبحث في الأحداث،،،
والعقول الضعيفة تبحث في الأشخاص،،،
اعداد راهبات دير القديس يعقوب الفارسي المقطع
الجمعة نوفمبر 21, 2014 11:37 am
