نــور أمّــي
+++++++
ارتبك الشابّ جون واضطرب جدّاً، فقد هبّت عاصفة شديدة في البحر،
وعلت الأمواج بشكل مريع، وكان هو واقفاً عند الشاطئ تحت منزله
يتطلّع إلى المياه بمرارة، فقد أخذ والده قارب الصيد ومعه ابنته سالي.
تسلّلت الدموع من عينيّ الفتى جون، فالظلام صار دامساً،
وصوت الأمواج امتزج مع صوت الرياح العاصفة، وحصل والده وأخته في خطر.
أشعلت زوجة الصيّاد مصباحاً، وصعدت به إلى الغرفة العليا من المنزل،
ووضعته في طرف النافذة التي تطلّ على البحر. فناداها جون من على الشاطئ:
- ماذا تفعلين يا أمّاه؟!
- أضع مصباحاً حتّى يستطيع والدك أن يراه، فيوجّه القارب نحو الشاطئ.
- النور ضعيف جدّاً يا أمّاه، إنّه لا ينفع شيئاً، فأريحي نفسك من التعب.
إنّ لم يتحسّن الطقس، فهناك خطر على والدي وأختي من دون شك.
- إنّني لن استريح حتّى يعودا بسلامة إلينا.
ثبّتت الأمّ المصباح، وركعت بجانبه تصلّي إلى الله كي يحفظهما،
ويحفظ كلّ مسافر في هذا الطقس العاصف.
وفي وسط هذه العاصفة الشديدة، وإذ كاد الصيّاد يفقد قدرته على معرفة اتّجاه القارب،
تطلّعت سالي من كلّ جانب، وهي تصرخ إلى الله كي ينقذهما،
رأت نوراً خافتاً، فقالت لأبيها وهي تهتف فرحاً: "أدر القارب باتّجاه هذا النور،
إنّه بلا شك نور أمّي، فإنّ قلبها لن يستريح حتّى نصل، بنورها، إلى برّ الأمان".
وجّه الصيّاد قاربه بكلّ قوّة نحو جهة النور، إلى أن وصل بإرشاده إلى الشاطئ آمناً.
وإذ رأتهما الأمّ هتفت تشكر الله قائلة لهما:
"أشكر إلهي الذي أنقذكما. كيف نجوتما من العاصفة؟".
فأجابت سالي:
"لقد وجّهنا القارب نحو نور الأمّ العزيزة، فقادنا نورها إلى الشاطئ، ولولاه لكنّا هلكنا".
تأثّر جون جدّاً لدى سماعه كلمات أخته، وإذ كان دائم التمرّد على أمّه،
رجع إلى نفسه وهو يقول: "أين أنا من نور أمّي العزيزة؟!".
ولم ينم جون طوال تلك الليلة،
بل كان يركع مقدّماً التوبة لله مخلّصه المحبوب، مسلّماً حياته في يديه،
وطالباً منه أن يرشده، بنوره السماويّ، من تخبّط أمواج بحر هذه الحياة.
وبعد سنوات أصيب جون بمرض عضال، وإذ كان يحتضر،
وكانت أخته سالي بجواره تبكي، قال لها:
"لا تبكي، يا أختاه، فأنا لا أخاف الموت!
إنّي سائر نحو ميناء السلام، لأنّي وجّهت قارب حياتي نحو نور أمّي العزيزة".
أحبّاءنا، من هي أمّنا؟ إنّها، أوّلاً، العذراء مريم، التي بتوجيه قارب حياتنا إليها،
واعتمادنا على نور شفاعتها، نجد الأمان والخلاص. ثمّ هي أمّنا الكنيسة،
هذه الأمّ الحنون التي تقدّم لنا النور السماويّ،
وكلّ ما يؤول إلى الخلاص والحياة الأبديّة.
فلنرتمي في أحضان أمّنا الكنيسة، وننهل من معينها الذي لا ينضب غذاء الروح،
الغذاء الأبديّ، فنجد السلام والفرح الداخليّين والتعزية الحقيقيّة.
ربّي، هب لي أن أوجّه قلبي وحياتي إليك،
فلا أهلك وسط عواصف هذا العالم وتيّاراته المهلكة.
ربّي، أيّها النور الحقيقيّ،
هب لي أن أستمدّ من نورك شعاع نور،
فيبدّد ظلمة البعيدين عنك،
ونحيا جميعاً معك في نورك الأبديّ.
الخميس ديسمبر 18, 2014 2:01 am
