مكافأة المحسنين

اعداد دير راهبات القديس يعقوب الفارسي المقطّع

مكافأة المحسنين

كان القدّيس غريغوريوس الذيالوغوس راهبًا في دير القدّيس أندراوس ومن ثمّ رئيسًا قبل أن يشغل منصب بطريرك رومية.
وذات يوم، فيما كان جالسًا في قلاّيته يؤلّف سِير قدّيسي إيطاليا أتاه فقير يستجدي صدقة. ولمّا كان القدّيس عبدًا حقيقيًّا للمسيح، أمر تلميذه أن يعطيه ستّة نقود، ففعل كما أمره.
ولم تنقض ساعة حتّى عاد الفقير نفسه إلى القدّيس قائلاً له: "ارحمني، يا عبد الله العليّ، لقد أعطيتني أقلّ ممّا خسرت". فأمر تلميذه ثانية وقال له: "أعطه ستّة نقود أخرى". ففعل كما أمره. فأخذ الفقير النقود ومضى.
وبعد قليل عاد الفقير ثالثة وقال للقدّيس: "ارحمني، يا عبد الله العليّ، وأعطني بركة أخرى، فإنّ خسارتي كبيرة". فدعا مدبّره وقال له: "أعطه، يا أخي، ستّة نقود أخرى". فأجابه: "صدّقني، أيّها الأب، لم يبقَ ولا نقد واحد في الخزنة". فقال له القدّيس: "ألا يوجد عندك أيّ وعاء أو لباس لتعطيه إيّاه؟". أجابه: "ليس عندنا، أيّها الأب، سوى الطست الفضيّ الثمين الذي أرسلته لنا السيّدة الكبيرة أمّك مع قليل من الحبوب". فقال له عبد الله: "اذهب، يا أخي، وأعطه إيّاه مع الحبوب". ففعل كما أمره القدّيس. فأخذ الفقير الطست ومضى.
ولمّا صار القدّيس بطريركًا على رومة، أمر معاونه ذات يوم أن يعدّ مأدبة لاثني عشر شخصًا، كما اعتاد البطاركة أن يفعلوا. ولمّا حضر المدعوّون وجلسوا للطعام بدوا لعينيه ثلاثة عشر.
فدعا معاونه وقال له: "لماذا خالفت أمري، ودعيت ثلاثة عشر، ألم أقل لك إثني عشر فقط؟". فاستولى الخوف على الرجل لسماعه هذا الكلام وأجابه: "صدّقني، أيّها السيّد الوقور، إنّهم اثنا عشر". وأمّا الثالث عشر، فلم يشاهده إلاّ البطريرك وحده.
وفيما هم يأكلون، نظر البطريرك إلى الثالث عشر، فرآه جالسًا على طرف المقعد، ووجهه يتبدّل من شكل رجل شيخ إلى شكل شابّ. ولمّا نهضوا عن المائدة، أطلق البطريرك الجميع، وأمسك الثالث عشر ذا المشهد العجيب، ودخل به إلى غرفته الخاصّة، وقال له:
- أقسم عليك بقوّة الله العظيم. من أنت؟ وما اسمك؟
- لماذا تسألني عن اسمي العجيب؟ أقول لك أنا هو ذلك الفقير الذي أتى إلى دير القدّيس أندراوس، والذي أعطيته الاثني عشر نقدًا مع الطست الفضيّ الذي أرسلته لك أمّك مع قليل من الحبوب. واعلم أنّه منذ اليوم الذي أعطيتني هذه الأشياء بصبر وطول أناة، قد عيّنك الربّ رئيسًا للكنيسة التي أهرق دمه من أجلها.
- ومن أين تعلم أنت أنّ الربّ عيّنني منذ ذلك اليوم بطريركًا؟
- لأنّي أنا ملاك الربّ الضابط الكلّ، الذي أرسلني، حينئذ، لأمتحن نيّتك إن كنت محبًّا للبشر بالحقيقة، ولا تتصدّق بدافع حبّ الظهور.
فخاف القدّيس لسماعه هذا الكلام، لأنّه لم يرَ ملاكًا في حياته. فإنّ الرجل الذي كان يكلّمه الآن كان ينظر إليه كإنسان بسيط. فخاطبه الملاك قائلاً: "لا تخف، لقد أرسلني الربّ لأكون معك ما دمت في هذه الحياة، وأن تطلب من الربّ ما تحتاج إليه بواسطتي".
فخرّ البطريرك بوجهه على الأرض، وسجد للربّ قائلاً: "إن كان الربّ الكلّيّ الرحمة من أجل قليل من هذا الخير، الذي ليس هو بشيء، قد أظهر ما لايقدّر من المراحم بإرسال ملاكه ليكون معي دائمًا، فأيّ مجد، إذًا، سيناله الذين يثابرون على وصاياه ويعملون البِرّ؟ ولقد صدق سليمان الحكيم حين قال: ‘من أحسن إلى فقير أقرض الله’ (أم 19: 17).