اعداد راهبات دير القديس يعقوب الفارسي المقطّع
أشواك الورود
كانت ساندرا تحسّ بحزن شديد وهي تتوجّه إلى محلّ بيع الزهور. فلقد كانت حياتها حلوة كمثل نسيم الربيع، ولكنّها وهي في الشهر الرابع من حملها الثاني، حدثت لها حادثة سيّارة أفقدتها وليدها المنتظر، فحزنت عليه كثيرًا. وكأنّ هذه الكارثة لم تكن كافية، ففي الأسبوع نفسه كان زوجها مهدَّدًا بالطرد من وظيفته. ثمّ إنّ أختها التي كانت ستقضي عطلتها معها هذا الأسبوع، وكانت متحرّقة لهذه الزيارة، قد اتّصلت بها وأخبرتها أنّها ربّما لن تحضر. وما هو أسوأ، فإنّ صديقتها أغاظتها، إذ أخذت تفسّر لها بأنّ أحزانها إنّما تحصل بمشيئة الله لكي نصل إلى كمال الإيمان، وتساعدنا على أن نتعاطف مع من يتألّمون، وبناء على هذا يجب أن نشكر. ثمّ صارت ساندرا تفكّر: "الشكر... ولكن على ماذا؟". ونطقت بذلك بصوت مسموع، فإنّ إهمال سائق السيّارة لم يصبها إلاّ ببعض الخدوش البسيطة بعد أن توقّف فجأة خلفها، ما جعلها تسقط على الأرض وتفقد جنينها. كانت ساندرا غارقة في أفكارها هذه عندما سمعت صوتًا لطيفًا
يقول لها:
- مساء الخير، سيّدتي، أيّة خدمة أقدّمها لك؟
- أنا... أنا أريد باقة زهور جميلة لصديقتي.
- هل تريدين باقة جميلة أو عاديّة؟ إنّي أعرف أنّ الزهور تحكي قصصًا كثيرة، فهل تبحثين عن شيء يحمل رسالة شكر أو إقرار بالفضل على جميل صُنع معك؟
- لا أعلم، فعلى مدى خمسة أشهر كانت الأمور تسير من سيّئ إلى أسوأ.
- لا بأس. إنّ عندي مجموعة جيّدة لك.
وفي هذه الأثناء دخلت صبيّة، فرحّبت بها الموظّفة قائلة: "أهلاً، يا بربارة، لحظة، وأحضر لك طلبك". وبعد قليل عادت ومعها باقة تحمل فروعًا خضراء مليئة بالأشواك وخالية من الورود!! وكانت ساندرا تراقب الموظّفة بانذهال، فسألتها:
-هل تمزحين؟ من يريد فروع الورد بلا ورد؟
- فردّت بربارة بابتسامة: إنّه بعد ثلاث سنوات من الخبرة، أحسّست بأنّ ذلك هو الصحيح.
\
- آه! ما هذا؟ فروع ورد بدون ورد!! قالت ساندرا هذا وهي توجّه حديثها إلى الموظّفة، فردّت هذه قائلة:
- هذا صحيح. لقد قطعت الورد من الفروع. هذا ما أسمّيه: باقة أشواك الشكر.
- هلاّ تخبريني إن كان أحد يدفع ثمنًا لغصن من دون ورد؟
- لقد أتت بربارة إلى هنا منذ ثلاث سنوات، وهي تحسّ، تمامًا، بما تحسّين به أنت اليوم! إنّها تحسّ بالشكر على ما أصابها. فقد فقدت أباها بعد إصابته بمرض السرطان، وأخفقت مشاريع العائلة التجارية، فأفلست، وابنها سقط في هوّة الإدمان، وهي أُجريت لها جراحة خطيرة.
وأكملت بربارة حديث الموظّفة قائلة:
- في السنة عينها فقدت زوجي. ليس لي أطفال، ولا زوج، ولا أسرة بجانبي، بل ديونًا كثيرة متراكمة.
- وماذا فعلت؟
- لقد تعلّمت أن أشكر الله على الأشواك. كثيرًا ما كنت أشكره على ما في حياتي من أشياء جميلة، ولم أفكّر، بتاتًا، في أن أسأله: لماذا سمحت بها؟ ولكن إذا ما صدمتني الأحزان، حينئذ كنت أسأله: لماذا؟! لقد احتجت إلى وقت طويل حتّى تعلّمت أنّ الأيّام العصيبة هي هامّة في حياتي. لقد كنت أتنعّم بالورود، ولكنّ الأشواك هي التي أظهرت لي جمال تعزيات الله. ألا تعلمين أنّ الإنجيل يعلّمنا بأنّ الله يعزّينا حينما نصاب بألم، ومن تعزية الله نتعلّم كيف نعزّي الآخرين؟
- أظنّ أنّ الحقّ معك، فأنا أرفض التعزية. لقد فقدت وليدي المنتظر، وتذمّرت من مشيئة الله، ثمّ تنهّدت قائلة: أنا لا أعرف ما إذا كنت سأقدّم الشكر على الأشواك في حياتي.
- فردّت الموظّفة: حسنًا. إنّ خبرتي جعلتني أكتشف أنّ الأشواك تجعل الورود غالية الثمن. ولنذكر أنّ إكليل الشوك الذي كلّلوا به هامة المسيح هو الذي جعلنا نعرف مدى حبّه لنا. فلا تغتاظي، إذًا، من الأشواك.
وانهمرت الدموع على وجنتيّ ساندرا، وللمرّة الأولى منذ حادثة السيّارة أحسّت بأنّ الغيظ يفارقها، فقالت: سآخذ الفروع الطويلة الاثني عشر من فضلك. فكم يجب أن أدفع؟
- لا شيء. إنّها المرّة الأولى التي تأتي فيها إلى هنا، وسيكون ما تشتريه هديّة منّي. ثمّ سلّمت ساندرا ورقة وقالت لها: ربّما تحبّين أن تقرأيها قبل أن أعلّقها على باقة الأشواك:
إلهي المبارك، لقد شكرتك مئات المرّات على ورودي.
ولكنّي لم أشكرك، قطّ، ولا مرّة واحدة على أشواكي.
علّمني كيف أحسّ بقيمة أشواكي التي أحملها.
علّمني، أيضًا، أن أرتفع إليك عن طريق الألم.
علّمني أنّه، من خلال دموعي، تتلألأ نفسي بالشكر على آلامي".