البحث عن التواضع

البحث عن التواضع

اعداد راهبات دير القديس يعقوب الفارسي المقطع

خرج أحد الرهبان الشيوخ المعروف بسيرته المقدّسة وحُسن إرشاده من ديره، وتنكّر بزيّ رجل علمانيّ، واتّجه نحو دير في منطقة بعيدة عن ديره، طالبًا أن يقبلوه راهبًا، ولكنّهم رفضوه لكبر سنّه، وقالوا له: "أبعدما تمتّعت بالعالم تريد أن تترهّب؟ ثمّ إنّك شيخ ولا تتحمّل أعباء الرهبنة". ألحّ الشيخ عليهم حتّى يقبلوه غير أنّهم تمسّكوا بالرفض، فما كان منه إلاّ أن وقف خارج الدير مدّة طويلة. ولمّا رأوا صبره، أدخلوه وطلبوا إليه أن يعمل في البستان تحت إمرة راهب شابّ، فقبل الشيخ ذلك بمحبّة وتواضع جمّ، وراح يعمل بطاعة كلّيّة وخضوع تامّ، بل كان يقوم، ليلاً، بتنظيف الدير وعمل الأعمال الحقيرة التي كان يرفض بعض العمّال القيام بها.
وبعد ثلاث سنوات زار الديرَ أحدُ الرهبان الذي كان يعرف الشيخ معرفة حقّة، وتعجّب عندما رآه يحمل السماد على كتفه ويضعه عند الأشجار، فشكّ في شخصيّته، واقترب منه ليتعرّف إليه عن قرب، فسمعه يُردّد المزامير بصوته المعروف. تأكّد لدى الراهب هويّة الشيخ القدّيس، فركض إليه، وسجد له طالبًا بركته، وأعلم الرهبان بشخصيّته، فأكرموه وأخذوا يعتذرون له عمّا بدر منهم، ولكنّ الشيخ ترك الدير، للحال، هاربًا من المديح.
أحبّاءنا، إنّ التواضع هو الذي يحمي الفضائل، ويُثبّت الإنسان في طريق الله، ويسحق حروب إبليس، لذا أحبّه جميع القدّيسين وسعوا نحوه ليحفظوا أنفسهم في حياة روحيّة حارّة مع الله.
لذا لا ترفضوا التعب الذي يصادفكم، ولا تتضايقوا من الآخرين إذا تخلّوا عنكم أو أصدروا الأوامر إليكم ولم يساعدوكم، بل اقبلوا هذا لتتعلّموا الاتّضاع، وتربحوا الملكوت.
وإذا ثار زملاؤكم عليكم، ووجّهوا إليكم كلمات جارحة، فاقبلوها، لأنّها دواء ينقّيكم من الكبرياء، فتصلوا إلى النقاوة وتشعروا بوجود الله معكم وفيكم، وردّدوا هذا القول الذي فاه به الفم القدّوس:
"تعلّموا منّي فإنّي وديع ومتواضع القلب،
فتجدوا راحة لنفوسكم".