الراهب بيمن
عاش في أحد الأديرة راهب اسمه بيمن، وكان من الأوكرانيين وكان أمّياً وله من العمر سبعون عاماً.
كانت خدمة الطاعة له في الدير هي تقطيع الحطب وإحضار الماء وإشعال النار.
كان الطبّاخ في ذلك الدير معروفاً بطبعه النزق وبسرعة غضبه وكان كثيراً ما يغضب
ويضرب الأب بيمن بكل ما تطاله يده: بمحراك الطبخ أو بالملقاط أو بالمكنسة.
لم يرَ أحد قط بأن الأب بيمن غضب من الطباخ أو قال له كلمة جارحة.
في بعض الأحيان كان يسأله الإخوة:
"هل تتألم، أيها الأب بيمن؟"
فيجيب: "لا بأس، أصابتني بظهري"،
وكان وجهه الكهل يُشرق بابتسامة.
ذات مرة وفي أثناء الصلاة غفى أحد رهبان هذا الدير فرأى حلماً:
كان في بستان فيه أشجار ذات جمال غير عادي ومحمّلة بالثمار
وتفوح منها رائحة عطرية، ففكّر الراهب في نفسه وتساءل:
"من صاحب هذا البستان الرائع؟".
وفجأة رأى الأب بيمن.
هتف الراهب: "كيف، أنت هنا؟".
- "الرب أعطاني إياه، هذا منزلي الصيفي. كلما شعرت بانقباض في نفسي آتي إلى هنا وأتعزّى".
- "هل تقدر أن تعطيني من ثمار الجنّة هذه؟"
- " طبعاً، بكل سرور، مدّ ثوبك نحوي".
مدّ الراهب ثوبه فملأ الأب بيمن حِجْره بالثمار العجيبة. في تلك اللحظة رأى الراهب والده الكاهن المتوفي.
"أبي، أبي، وأنت أيضاً هنا؟"
- هتف الراهب فرحاً ومدّ يديه نحو أبيه، فأفلت طرف الثوب من يديه
ووقعت الثمار كلّها على الأرض. استيقظ الراهب. كان الوقت صباحاً.
نظر الراهب من نافذة قلايته وسمع صراخاً: "أنت أيها السافل!".
كان الطباخ يصرخ: "
مرة أخرى لم تُحضر ماءً كافياً، يجب أن تكون البراميل كلها ملآنة وأنت حتى لم تتفحّصها أيها البهيم!" وضرب الطباخ الأب بيمن بالمحراك بكل ما أوتي من قوّة.
خرج الراهب من قلايته واقترب وقال للطباخ: "ابتعد عنه".
والتفت الراهب إلى الأب بيمن وسأله: "أيها الأب بيمن، أين كنت الآن؟"
فأجاب الأب بيمن: "غفوت قليلاً في المطبخ وبسبب ذاكرتي الهرمة نسيت أن أحضر الماء الكافي
وبذلك جلبت على نفسي عقوبة الطباخ العادلة واستياءه مني.
- لا، أيها الأب بيمن لا تخفِ عني، أين كنت أنت الآن؟
- أين كنتُ؟ كنتُ هناك حيث كنتَ أنت. الله الذي رحمته لا توصف أعدّ لي ذلك المنزل.
فسأله الرهب: "ماذا لو لم تسقط الثمار من حجري؟"
فأجابه الأب بيمن:
"كانت ستبقى معك، وكنت ستصحى من النوم وستجد حجرك مليئاً بالثمار،
ولكن عندها كان سيتوجّب عليّ أن أترك الدير".
بعد هذه الحادثة بوقت ليس بطويل توفي الأب بيمن ورحل للأبد إلى المنزل المُعدّ له.
ليؤهّلنا الرب الإله بأن نسكن في دياره مع كل الذين أرضوه!