لماذا لا يبتسم القديسون في الأيقونات ؟

لماذا لا يبتسم القديسون في الايقونات ؟

يتساءل الكثير من المؤمنون "متذمرين" عن سبب تجهم
وعبوس الرب يسوع المسيح والقديسين الذين تصورهم الأيقونة الأرثوذكسية

أو البيزنطية كما يتعارف عليها.
ففي الكتاب المقدس تمر مفردات مثل "فرح, ابتهاج, سرور"
لأكثر من 400 مرة وأكثرها تصف الأشخاص المقربين
من الله أي القديسين والأنبياء الذين تصورهم الأيقونات,
فلماذا نجد هؤلاء القديسين الذين قبلهم الرب
في ملكوته السماوي وقد صورتهم الأيقونات المقدسة

صامتين كئيبي الوجوه؟

إنه بلا شك ذاك التقليد الأرثوذكسي القائل, بالحزن والندم الدائم على خطايانا والذي يقود إلى الاستنارة والتنقية.
وهذا ما يوضحه القديس يعقوب كاتب الرسائل في رسالته:

"فاخضعوا لله قاوموا إبليس فيهرب منكم, اقتربوا إلى الله
فيقترب إليكم نقوا أيديكم أيها الخطاة
و طهروا قلوبكم يا ذوي الرأيين.
اكتئبوا و نوحوا و ابكوا ليتحول ضحككم إلى نوح
و فرحكم إلى غم. اتضعوا قدام الرب فيرفعكم".

لقد تبع العديد من القديسين هذا النهج في الحزن
من على خطاياهم وفي نفس الوقت من على خطايا الآخرين,
هؤلاء قد أعطاهم الله موهبة الدموع مثل القديس لعازر
الذي من بيت عنيا الذي أقامه الرب من بين الأموات,
هذا كان قد اشتهر عنه أنه لم يبتسم البتة طوال سنوات
حياته الثلاثين بعد قيامته من بين الأموات.

كتب القديس سلوان الآثوسي وهو من قديسي القرن العشرين:

"الرب يسوع المسيح, ابن الله, أعطى الراهب محبة الروح القدس,
وبسبب هذا الحب ينفطر قلبه حزناً باستمرار على الناس
لأنهم لن يخلصوا جميعاً".

بالرغم من هذا لم يقل الآباء القديسين بأن الضحك
أو الابتسام هما من الخطايا بالرغم من أنهم نفسهم
لم يضحكوا أو يبتسموا. فهناك قصة عن أبو الرهبان القديس
أنطونيوس الكبير, يقول فيها أحد الصيادين
أنه شاهد القديس أنطونيوس يضحك مع بعض الرهبان.
لقد صَدم هذا الصياد ما رآه من تصرفات هذا الناسك العظيم.
لكن القديس أنطونيوس شرح للصياد من خلال قوسه
ونباله أن الرهبان من وقت لآخر يجب أن يستريحوا "كالقوس"
من عملهم حتى لا ينكسروا تحت التوتر والضغط الشديد.

يبقى السؤال إذاً:
ما هو الفرح أو السرور الذي قد وُعِدنا به نحن المسيحيين؟

يكتب الراهب موسى الآثوسي موضحاً:

يظن البعض أن الفرح والسرور هو مرح جامحٌ لا حدود له,
أو عربدةٌ فاضحة لا خجل فيها, كاحتفالات السكارى
المترفين المسرفين المنغمسين في المتعة
والملذات في مراكز الملاهي الليلية.
لو أن أحداً يستطيع تصوير ما في أعماق قلب واحد
من رواد هذه الملاهي فماذا سيجد؟
سيجد جهنماً من الألم والحزن,
من التعاسة والبرودة, والوحدة القاسية.

إن الفرح لا يباع في أي من المحلات أو مراكز التسوق,
ولا بقليل أو كثير من المال...
إن رواد الملاهي يعودون من لهوهم الدنيوي متعبين ومرهقين,
مكتئبين وحزانى, ومع مزيد من الوحدة الباردة.
الفرح الحقيقي يأتي من الله وهذا بالتالي فرحٌ ابديٌ.
السرور والمتعة الدنيوية زائلةٌ ومؤقتةٌ ولا تجلب الفرح للنفس.
والابتسامة هي انعكاس للسرور المؤقت الزائل

لأنها بدورها أي الابتسامة زائلة ومؤقتة.

هناك في الحياة أمثلة كثيرة للابتسامة "الحسنة" مثل
-ابتسامة طفلٍ صغير أو أمٍ عطوفة محبة, وابتسامة صديق حقيقي
- مع ذلك كله فالابتسامة تعود إلى عالمنا وحياتنا الأرضية الزائلة.
لافرق بينها وبين الطعام والشراب والنوم فالابتسامة
وكل ما ذكرنا نعملها ونحن في عالمنا هذا ونحن نعيش بالجسد,

وبالتالي هذا الابتسام لا ضرورة له خاصة عندما نكون أنقياء مستنيرين ونعيش متنعمين في ملكوت السماوات بقرب ملك المجد.

إن القديس مكسيموس المعترف يلخص لنا حالة هؤلاء الذين

قد أتموا الشوط الحسن بالنقاوة:

"إن جائزة الجهاد الحسن وعيش الفضيلة هي انعدام الأهواء والمعرفة الروحية, لأن هذه هي وسائط الدخول إلى ملكوت السماوات,
كما أن الأهواء النكران هي وسائط الدخول إلى العقاب الأبدي".

وأيضاً بحسب القديس مكسيموس المعترف:

"انعدام الأهواء هي حالة السلام التي تعيشها النفس".
حالة "سلام النفس" تلك هي التي تنقلها لنا وجوه القديسين

في الأيقونة الأرثوذكسية. إنها أبعد بكثير من السعادة الزائلة
في هذا العالم وهي انتهاء الحزن على خطايانا,
وهي بالحقيقة ما يمكن أن نسميه فرحاً وسعادةً.
إنها الحقيقة المتجلية والظاهرة لحالة الفرح السماوي المبارك,
إنها انعكاس السلام الذي وعد به يسوع المسيح تلاميذه,
السلام الذي يعطيه يسوع المسيح نفسه, يوحنا 14: 27.

هذا العيش السماوي بدون الأهواء والشهوات
يظهر في كل الأيقونات الحسنة الكتابة "المرسومة جيداً".
إذ إن العاطفة والأحاسيس يمكن أن تصوَّر بإيماءات الجسد
(كما نرى في أيقونة الإبيتافيون),
أو باستعمال مختلف الألوان ودرجاتها,
وبالأخص يمكن أن تصَوَّر في عيون شخصيات الأيقونة

كما يظهر ذلك في عيون النسوة النائحات في أيقونة الإبيتافيون أيضاً.
الأيقونات تصور حالة المجد السماوي للسيد وأمه العذراء
ومختلف قديسيه فهي نوافذ إلى السماء.

عندما نقف أمام أيقونة السيد له المجد على سبيل المثال
ونراه يرمقنا بناظريه, نتذكر أن المسيح دائماً حاضرٌ
وينظر إلينا مراقباً ومؤنباً فهو "الضابط الكل".
هذا الحضور السري ليسوع المسيح يشاركه فيه أمه المقدسة
وتلاميذه مع كل قديسيه. فنحسَّ أنهم جميعاً يعرفون خطايانا
وزلاتنا وأحزاننا وضعفاتنا.

فكيف نتوقع بعد كل هذا أن نراهم مبتسمين؟

إن كل نظرة حزن في وجه الرب يسوع المسيح
وأمه العذراء أو أحد قديسيه هي تذكير بحبهم
لنا يحثنا على التوبة والحزن على خطايانا.



اشكر مروركم الجميل بارككم الرب

_________________



شرفني حضوركم سلام ونعمة الرب يسوع معكم اجمعين