قصة اليوم : سامحني أنا العمياء
ذهبت أنا وأبي وأمي إلى المصيف وبينما كان أبي يقود سيارته إذ بمقطورة كبيرة تصطدم بالسيارة ولم أدر بعدها بشيء ولكني أفقت وأنا أتساءل لماذا انقطع التيار الكهربائي؟ أما توجد شمعة؟ أخبرتني الممرضة أن عيناي أصبحتا ضعيفتان ولكن الحقيقة المرعبة أنني أصبحت أعمى !!! الظلام يحوطني من كل جانب .صرخت بفزع أين أمي؟ أخبروني بلطف إنها بقسم آخر في المستشفى لأنها أصيبت بشلل. شعرت أن الظلام الذي يحوطني أصبح دامساً حالكاً وكأني أمسكه بيدي.
وفي الصباح، زارني أبي في المستشفى ويا ليته لم يزرني، فقد كانت الصاعقة الثالثة إذ أنه أخبرني برقة مصطنعة ما معناه أني أصبحت شخصاً عاجزاً محتاجاً لمن يخدمه وأن أمي مشلولة ولذا فإنه سيودعني مركز المكفوفين. وقبل أن أفيق من صدمتي كان قد تركني.
ما هذا ؟ بالتأكيد إنه حلم أو كابوس!! منذ أيام كنت الابن المدلل لأبي وأمي والآن في بيت المكفوفين؟؟
لا، لا بد أن أبي سيأتي غداً ويأخذني في حضنه إلى بيتي وإذا بصوت أمي تبكي بحرقة وهي تودعني، عرفتها من صوتها الحنون وحضنها الدافئ، لا تخف يا حبيبي ستعود الى بيتك ويسوع سوف ينور عينيك وقلبك. ظللت أبكي حتى وصلت بيت المكفوفين، واستقبلتني سيدة اسمها مريم بترحاب إلا أني لم أتكلم ولم آكل لمدة يومين.
وفي يوم، جاءت السيدة مريم وتحدثت معي حديثاً لا أنساه. قالت لي ربنا قال : "لا يدعكم تجربون فوق ما تستطيعون أن تحتملوا"، فلا بد إنك إنسان قوي، وأنا لا أريدك أن تخدم نفسك فقط، بل أن تخدم الآخرين وتتفوق في دراستك، فأنت إنسان ذكي وعندك حب للآخرين، لا تضيع وقتك فعليك رسالة. كان لكلماتها أثر السحر في نفسي وأخذت أردد أنا لست عاجزاً "أستطيع كل شيء في المسيح الذي يقويني".
مرت السنوات وتفوقت في دراستي وساعدت كل كفيف بالمركز أن يستثمر مواهبه، وعندما زارني والدي في أول عيد رفضت مقابلته ولكن عندما دخلت محبة الله قلبي، طيبت جروحي ومسحت دموعي وأصبحت إنساناً قوياً.
لكن القصة لم تنته ، فقد اضطر المركز أن يطلب من والدي أن يضمني إلى بيته بعد أن أكمل رسالته معي ولكن المشكلة أن أمي كانت قد ماتت وأبي تزوج و أنجب ولداً وبنتاً وشعرت مرة أخرى أني شخص غير مرغوب فيه وعاملتني زوجة أبي بقسوة شديدة، فكانت تتعمد أن تكرر كلمة الأعمى كثيراً في حديثها معي أو عني، ولكن كل هذا لم يشغلني لأن الله ملأ قلبي بمحبة الجميع، لكني شعرت أن أخي الأصغر يسير في طريق الهلاك بسبب رفقاء السوء، حاولت أن ألفت نظر والدي وزوجته فشتمتني واتهمتني بالحقد أنا الأعمى.
وفي أحد الأيام لم يرجع أخي الى المنزل حتى الصباح وظلت أمه تبكي وتولول فاتصلت بأحد زملائي بالمركز وكان يبصر قليلا وخرجنا نبحث عنه عند كل أصدقائه حتى وجدناه في حالة غير طبيعية فحملناه بصعوبة بالغة إلى المنزل، وما أن رأتني زوجة أبي حتى ضمتني إليها وهي تبكي وتقول سامحني يا بني أنا العمياء وأنت البصير لقد أنار الله قلبك، سامحني.
"يشرق في الظلمة نورك ويكون ظلامك الدامس مثل الظهر ويقودك الرب على الدوام" ( إش 10:58).