قصة اليوم : نسرٌ ولو مع الدجاج
رجل صيّاد وجد عشَّ نسر وفيه فرخ صغير، فأخذه وجعله بين فراخ الدجاج ليتربى معها. وكبر الفرخ وكان قد تعوّد حياة الدجاج يدرج معها على الأرض درجاً، ولا يهمّ بطيران كأنما فقد غريزة التحليق في الأجواء العالية.
ويوماً اضطر الرجل الى سفر، فأحبَّ أن يُطلق الحرية للنسر، فأمسكه وحاول أن يرمي به في الفضاء ليطير، لكن النسر لم يفتح جناحيه، ولا أبدى رغبةً في الطيران. فحمله بعيداً عن الدجاج ثم رفع رأسه الى الجو في اتجاه الشمس. فما أن انعكست أشعة الشمس في عيني النسر حتى أخذ ينتفض كالمحموم، ويخفق بجناحيه بكل عنف وقوة، ثم أفلتَ من يد الرجل ليسبح في الأفق جبّاراً عتيًّا.
هذه حال الإنسان في حياته: فهو وليد محيطه، يتأثر بآراء ومبادىء وأعمال من حوله، كما كان النسر مع الدجاج بحيث يتحقق فيه القول المأثور: "قلْ لي من تُعاشر، أقُل لك من أنت".
ويكفي أن يبدّل الإنسان محيطه التافه السطحي، أو المبتذل من الرفاق والمطالعات، ويدخل في جوّ جديد لا يعاشر فيه إلا النفوس النبيلة، والقلوب العامرة بالاخلاق، ولا يطالع إلا كل ما لذّ وطاب من مغامرات بطلية، ومآتي من أفادوا الإنسانية وبرزوا في ميادين العلم أو الاختراع أو الفلسفة أو الفن.. يكفي أن يعيش في مثل هذا الجوّ حتى يحسّ بكفاآت تتململ فيه، ومواهب تفيق، وطموح يُجنّح روحه، ليحلّق هو أيضاً وراء من حلّقوا من نسور الإنسانية.
"مساير الحكماء يصير حكيماً، ومؤانس الجهّال يصير شريراً" (ام 13: 20).