قصة اليوم: يا لحنان الله!
في الحرب العالمية الثانية، أصيب شاب جامعي في باريس بجراح خطيرة، فنقلوه على جناح السرعة الى مدرسة قريبة حوّلوها الى مستشفى. ومن حسن حظه كانت المدرسة مسيحيّة. ولقد بذلوا كل ما استطاعوا لانقاذ حياته، ولكن من دون جدوى، لأن الإصابة كانت قاضية.
وأحضروا الكاهن ليؤهبه للساعة الرهيبة. فانتزع الصليب المعلّق على الحائط وقدّمه للشاب كي يحرّك في قلبه عواطف الندامة. إلا أن الشاب تحامل على نفسه وأشاح بوجهه عن الصليب، وتمتم "ما عُدتُ اعتقد به! لقد فقدت الإيمان بالطيش واللذات!"
فكانت صدمة للكاهن، ودمعت عيناه على الشاب المسكين الذي يعالج سكرات النزاع بعيداً عن ربّه وأحبابه. لكن حشرجات الموت التي تتعالى من كل حدب وصوب، لا تسمح للكاهن أن يتأخر عنده، فأخذ الصليب من جديد وعلّقه على الحائط مقابل الشاب بحيث تقع عليه عيناه كلما فتحهما.
وبعد أن تفقد الجرحى، عاد الكاهن أدراجه الى الشاب المسكين، فوجده وقد تدلّت ذراعاه عن جانبيّ السرير، وانقلب رأسه عن الوسادة. إنه عادم الحركة، وعيناه مغمضتان وصفرة الموت تغشي محيّاه. وظنّه الكاهن قد مات، فأخذ يديه وضمّهما على صدره على نحو ما يفعل المسيحيون بموتاهم. وإذا بالشاب يفتح عينيه ويعود الى وعيه. وهمس، وعلى شفتيه ترفّ ابتسامة كانت الأخيرة "اترك ذراعيّ هكذا!" وأشار الى المصلوب مقابله "أريد أن أموت مثله!".
هذا هو حنان الله أبينا! لا يطاوعه قلبه أن يهملنا كما نهمله نحن. بل يعذر، يُغضي، يتناسى وينتظر عودتنا. فما تراه يفعل وكيف يعاملنا لو بقينا أمناء مخلصين وتصرفنا تصرف أبناء نحو أبيهم؟!