ظاهرة "الأرانب" وعيد الفصح !
مع اقتراب موسم عيد الفصح المجيد
"عيد الأعياد وموسم المواسم"
تبدأ بملاحظة ظاهرة غريبة عن ثقافتنا وثراثنا الروميّ المشرقيّ العريق،
وايماننا وتقليدنا الأرثوذكسي، ألا وهي ظاهرة انتشار "الأرانب"
في الأسواق والمحلّات التجارية،
فما هي علاقة الأرانب بعيد الفصح المقدس ؟!
في الحقيقة ان جذور هذه العادة تعود الى القبائل الوثنية
التي استوطنَت القارّة الأوروبية في العصور القديمة،
مثل شعب الأنكلوساكسون الوثني،
الذي كان يُقيم احتفالاتٍ في تلك الفترة من السنة بعيد الإلهه
(Eastre أو Eostre) والتي كانت إلهة الخُصوبة
والربيع في أساطيرهم ومعتقداتهم الوثنية،
وكان يُرمز إليها ب "الأرنب" (لأن الأرانب كثيرة الانجاب)
كما جاء أيضاً في اعتقاداتهم أن هذه الإلهة قد تقمَّصت في جسد أرنب،
وفي جميع الأحوال كان الاعتدال الربيعي عند الوثنيين مناسبةً
للاحتفال بتجدُّد الأرض والطبيعة بعد فصل الشتاء.
وبعد انتشار المسيحية واعتناقها من قبل الكثير من الوثنيين،
وبسبب تزامُن بداية فصل الربيع مع احتفال الكنيسة بقيامة المسيح من بين الأموات، درجَت تسمية الفصح تسمية خاطئة بـ Easter تأثراً بالإلهه الوثنية Eastre أو Eostre التي كان يُحتفل بعيدها في زمن الاعتدال الربيعي من كل سنة، أما التسمية الصحيحة فهي الكلمة اليونانية Πάσχα (Pascha) والمُشتقَّة من الآرامية والعبرية وتعني "العبور"، والتي نقلتها الشعوب الأرثوذكسية إلى لغاتها المختلفة ودأبوا على استعمالها دون غيرها.
الفصح والأرانب اليوم !
بقيت ظاهرة الأرانب مجهولة في محيطنا المشرقي خلال موسم عيد الفصح حتى عقودٍ قليلة من الزمن، ثم بدأنا نشهد حَملات تجارية واسعة ولوحات إعلانية تستبق موسم للفصح وكلّها تربط الفصح بالأرانب !! مع أو بدون البيض... فارتبط هذا الرمز الوثني (الأرنب) بالتعييد للقيامة ارتباطاً وثيقاً. واللافت اليوم أيضاً أن بطاقات المعايدة التي صارت متداولة بشكل واسع بين المسيحيين، تحمل رسوم الأرانب وعليها تعابير مثل: "تمنيات بفصح سعيد"، أو حتى "تمنيات الربيع"...! والأسوأ أن البعض لا يتردّدون أحياناً في إرسال بطاقات تحمل رسوم الأرانب إلى جانب عبارة: "المسيح قام" !
كيف حلّت الأرانب محل أيقونة القيامة ؟
نظرة سريعة نُلقيها اليوم على بطاقات المعايدة المتداولة في الانترنت، أو بالبريد، والهدايا الموزّعة على رفوف المحلات...
هي كافية للدلالة على أن معظم الناس في هذا العصر على بساطتهم وحُسنِ نواياهم، قد انجرفوا محمولين بالتيار السائد الذي يحمل معه مَن يعرف ومن لا يعرف!
والسؤال المطروح هو: كيف استطاعت الحضارة العِلمانية الإلحادية أن تُنسينا أن الفصح هو أهمّ عيد في السنة الليتورجية، وقاعدة إيماننا الأرثوذكسي الوطيد؟!
الفصح هو بالدرجة الأولى عيد قيامة المسيح الرب، المُخلِّص، المصلوب لأجلنا والقائم من بين الأموات لنشترك معه في مجد قيامته. وكيف حلّت صور الأرانب بهذه السهولة
محلّ أيقونة القيامة، والخرافات الوثنية محلّ الإيمان الأرثوذكسي المقدس الذي لأجله قضى الملايين شُهداء (ولا زالوا) حفاظاً على نقاوته وسلامته من كل انحرافٍ أو شائبة ؟
من هنا ربما تأتي الحاجة إلى حَملات توعية تُعرِّف شعبنا الأرثوذكسي من جديد بعاداتهم وتقاليدهم المسيحية الأرثوذكسية الأصيلة، وتنقيتها من الشوائب الوثنية التي زحفت الينا من الغرب، وتُعيدُ كتابة ما محاه الدهر من ذاكرتهم ووجدانهم الأرثوذكسيّ، وتُعلِّمهم التمييز بين الرخيص والثمين!
الأب رومانوس حداد