وطن الروح :بقلم المطران جورج خضر

وطن الروح وطن الروح :بقلم المطران جورج خضر Ob_69429504368ff61d4a1ea73f0e35d8fb_etoiles-copie-1

بقلم المطران جورج خضر

أنا في بلدي لا أُواجه الليل.
فإذا القمر أَصْهَبُ،
يتوهَّج البَلَح
توَهُّجَ القربان في بيعة الروم.
نخلة أحَبَّ ابنُ معاوية
في الرصافة،
حيث الغَساسنةُ أقاموا
وحيث سَرجيسُ شهيد،
وَحْدَها عَزَّتْه في الغربة
عن أبواب دمشق.
ونحن، من فينيقية
حتى مشارف دمشق
والمروج التي على النيل،
يَعْبرنا الذهول.

وطن الروح :بقلم المطران جورج خضر Ob_71519b3957895fac396389f822ce7313_y6aiigqn

المشرقُ وحدةُ النخيل
يمتشقُ، يَغْتَنج
عند مداعبة القمر
إذا انتهت بادية العراق.
نخلتي وحيدتي إلى وجهي.
إذا تناساها البحرُ
على الأهلّة ورَماها،
تتهادى كابتسامات الصبايا،
تَنْبت من حياتها
في أرض قاحلة،
لأنّ البَوَادي تُسلَبُ إلى الفراديس،
تختنق في رحمتها،
كأنَّما أعاصيرُ الجَنّاتِ المقتلعة
أهملت ذَهَبَها على أرجُلِ النخيل
لمّا زوبع اللهُ عَدنًا
وأقام شرقيَّها
بريق سيف متقلّب
لحراسة طريق شجرة الحياة.

هناك على ضفاف نهر الصحارى
تنتصب في دلالها
مبعَدَةً من الفردوس،
تنقله في منافيها.
وأقدامُ السكارى تُجَنُّ
على ذَهَب الأرض،
تلملم فُتاتَ القمر.
هناك بين الشجر والبحر،
يولد الحُبُّ مُغَنًّى
ونُرسَلُ إلى الطفولة،
ضائعين في اختصار الغابات.
إذا انقضّت الشراسةُ على الشجر،
واحتللنا فجرَ الخليقة مسكنًا،
وأهمَلْنا الأذكياء،
يُهَرْول أحدهم إلى الآخر
ليقول كلمات-

النخيلُ كاتدرائيّاتُ الصحارى،
تهرع إليها حتى تسقط الجبابرة،
لأنَكَ أنتَ عَشيرُ المساكين،
وقَدَرُكَ أن تولدَ ابنَ أمَة، إذا نفدَ الماءُ من قربتها
تطرحُ الصبيّ تحت بعض الشجر.
وفي كلّ بادية نخلةٌ وبئر ماء
فَكُلي واشربي وقرِّي عَينًا.
يا أيها الناذرون للرحمن صَومًا،
لا تحسدوا الذين لا يبكرون إليه
ولا يتبتَّلون في الليالي القَمراء،
المترنحين بأغانيِّ المسكِر.
أنا أُنشِد لحبيبي
نَشيدَ محبوبي في نخلة.
كان لحبيبي غاباتٌ
بين غرناطة والبصرة.
على قوارب البرديّ يُنقَلُ الرُّطَبُ
ويَحُول في اللسانِ عَسَلاً.

لا تُخَلّي الغابة
ولا تلتفتي إلى التماثيل.
ماذا يبقى لنا سوى صحرائنا؟
أما عاهَدْتُكِ على مبرّات الأطهار
أنْ هُزّي إليك بجذع النخلةِ
تُساقِطْ عليِكِ رَطبًا جَنِيًّا؟
فقَرُنا غِنانا،
فالكلمات اندحَرَتْ وتبنا إليه
في مثل حرارة الرمل
بين البحر والشجر.