الأنبا أنطونيوس أب كل الرهبان
( القديس أنطونيوس الكبير )
قال القديس أنطونيوس:
«رأسُ الحكمةِ مخافةُ اللهِ. كما أنّ الضوءَ إذا دخل إلى بيتٍ مُظلمٍ طرد ظُلمَتَه وأنارَه،
هكذا خوفُ اللهِ إذا دخل قلبَ الإنسانِ طرد عنه الجهلَ وعلَّمه كلَّ الفضائلِ والحِكمِ».
سيرة القديس أنطونيوس
نذكرُ اليسيرَ من فضائِلِه:
إنه لما توفي والدُه دخل إليه وتأمَّل وبعد تفكيرٍ عميقٍ قال:
«تبارك اسمُ الله، أليست هذه الجثةُ كاملةً ولم يتغير منها شيءٌ البتة
سوى توقُّف هذا النَّفس الضعيف.
فأين هي همَّتُك وعزيمتُك وأمرُك وسَطوتُك العظيمة وجمعُك للمالِ.
إني أرى الجميعَ قد بَطُلَ وتركتَه ...
فيا لهذه الحسرةِ العظيمةِ والخسارةِ الجسيمة». ثم نظر إلى والدِه وقال:
«إن كنتَ قد خرجتَ أنت بغيرِ اختيارِك فلا أعجبَّن من ذلك
بل أعجبُ أنا من نفسي إن عملتُ كعملِك».
ثم أنه بهذه الفكرةِ الواحدةِ الصغيرةِ ترك والدَه بغيرِ دفنٍ.
كما ترك كلَّ ما خلَّفه له من مالٍ وأملاكٍ وحشمٍ، وخرج هائماً على وجهِهِ
قائلاً: «ها أنا أخرجُ من الدنيا طائعاً كي لا يخرجوني مثلَ أبي كارهاً».
ولم يزل سائراً حتى وصل إلى شاطئِ النهرِ حيث وجد هناك جميزةً كبيرةً
وعندها بربا، فسكن هناك ولازَمَ النسكَ العظيمَ والصومَ الطويل
وكان بالقربِ من هذا الموضعِ قومٌ من العربِ
فاتَّفق في يومٍ من الأيامِ أن امرأةً جميلةَ الصورةِ
من العربِ نزلت مع جواريها النهرَ لتغسلَ رجليها
ورفعت ثيابَها وجواريها كذلك.
فلما رأي القديسُ أنطونيوس ذلك حوَّل نظرَه عنهن وقتاً ما ظناً منه أنهن يمضين.
ولكنَّهن بدأن في الاستحمامِ في النهرِ. فما كان من القديسِ إلا أنه قال لها:
«يا امرأة أما تستحين مني وأنا رجلٌ راهب»؟
أمَّا هي فأجابته قائلةً له: «اصمت يا إنسان.
من أين لك أن تدعوَ نفسَك راهباً؟ لو كنتَ راهباً لسكنتَ البريةَ الداخلية
لأن هذا المكانَ لا يصلُحُ لسُكنى الرهبانِ». فلما سمع أنطونيوس هذا الكلامَ لم يَرُدَّ عليها جوابا
وكثُرَ تعجُّبه لأنه لم يكن في ذلك الوقتِ قد شهد راهباً ولا عَرَف اسمَه.
فقال في نفسِهِ: «هذا الكلامُ ليس من هذه المرأةِ، لكنه صوتُ ملاكِ الربِ يوبخني».
وللوقتِ ترك الموضعَ وهرب إلى البريةِ الداخليةِ وأقام بها متوحداً.
لأنه ما كان في هذا الموضعِ أحدٌ غيرُه في ذلك الوقت
وكانت سُكناه في قريةٍ قديمةٍ كائنةٍ في جبلِ العربةِ. صلاته تكون معنا آمين.
وكان يوماً جالساً في قلايتِهِ فأتى عليه بغتةً روحُ صغرِ نفسٍ ومللٌ وحيرةٌ عظيمةٌ، وضاق صدرُه
فبدأ يشكو إلى اللهِ ويقول: «يا ربُّ إني أحبُ أن أخلصَ لكن الأفكارَ لا تتركني، فماذا أصنعُ»؟
وقام من موضِعِه وانتقل إلى مكانٍ آخرَ وجلس.
وإذا برجلٍ جالسٍ أمامه وعليه اسطوانةٌ ومتوشحٌ بزنارِ صليبٍ مثال الإسكيم
وعلى رأسِهِ كوكلس (أي قلنسوة) شبهُ الخوذة
وكان جالساً يُضفِّرُ الخوصَ. وإذا بذلك الرجل يتوقف عن عملِهِ ويقفُ ليصلي.
وبعد ذلك جلس يُضفِّرُ الخوصَ ثم قام مرةً ثانيةً ليصلي، ثم جلس ليشتغلَ في ضفرِ الخوصِ، وهكذا ...
أما ذلك الرجل فقد كان ملاكَ اللهِ أُرسِلَ لعزاءِ القديسِ وتقويتِهِ، إذ قال لأنطونيوس:
«اعمل هكذا وأنت تستريح»، ومن ذلك الوقتِ اتَّخذ أنطونيوس لنفسِهِ ذلك الزي الذي هو شكلُ الرهبنة
وصار يُصلي ثم يشتغلُ في ضفرِ الخوص
وبذلك لم يَعُد المللُ يضايقه بشدةٍ. فاستراح بقوةِ الربِ يسوع له المجد.