لقديس ثيوفان الحبيس
إن المرء يحصد ما يزرعه . وماذا ينبت الحقل إن لم ترطب أثلامه بالأعراق ؟
ينبت الزؤان والأشواك التي مصيرها . . .
الحرق بالنار !
تذكرن ذلك الابن الذي ما انفك يقلق أمه قائلاً : أنا ذاهب لأعمل على خلاص نفسي ، أريد الذهاب إلى الدير دعيني اذهب ! ورغم انها توسلت إليه أن " انتظر قليلاً حتى اموت ثم يمكنك الرحيل " ، إلا انه لم يصغ اليها ومضى في سبيله . فما ان دخل الدير ، حتى توهم انه أتم كل ما كان عليه بمجرد انتسابه الى شركة الدير الخلاصية ، فاستسلم الى الإهمال :
أفرط في النوم وتهاون في عمل الطاعة ولم يذهب الى الكنيسة إلا في ما نذر . ولكم نبهه الآخرون ، إلا انه أعارهم أذناً صماء .
غير ان الرب لا يرضى بموت الخاطىء أيقظه من غفلته بالطريقة التالية : كانت أمه تعيش ، كسائر العلمانيين في كل ما تسلم به عادات الدنيا من رغدة العيش والمتعة ، فماتت ، ونالت نصيباً يوافق حياتها . وكذلك ابنها ، الراهب المهمل ، مرض وشارف على الموت . وكان الرهبان المحيطين بفراشه وهو يحتضر يذرفون الدموع ، عالمين بما كان فيه على حياته ، ومصلين بحرارة الى الرب من اجله ، عله يرأف به . وما لبث الأخ ان غاب عن الوعي ومات . وفبما انتهوا من تجهيزه للدفن ، إذ به يعود حياً . فتسارع اليه الإخوة فرحين ، وأما هو فراح يقرع صدره نائحاً نوحاً مراً . ورغم إلحاحهم في السؤال قائلين : " ماذا جرى لك ؟ قل لنا ماذا جرى لك ؟ " لم يستطيع ان يتفوه بكلمة ، لفرط الأسى الذي قطّع كبده . وفي النهاية ، هدأ ، وأخبرهم ما يلي :
" عندما كانت نفسي تحتضر ، انفتح أمام ناظري عالم اّخر . شاهدت الملائكة يبتعدون عني ، واقتربت مكانهم أرواح خبيثة تستجوبني . لا يسعني ان اصف لكم الرعب الذي اعتراني .
أمسكوا بي واجتازوا بي أماكن مظلمة يتعذر الدخول اليها ، وهم يصرخون ويقهقهون ويرددون كلمات بذيئة . وما زلنا نهبط هكذا بسرعة وقتاً طويلاً . وسرعان ما فاحت رائحة الكبريت والنّتن . ثم سمعت ضجيج أنّات وصرخات يائسة تعلو وتزداد . انقطعت أنفاسي من الذعر . فإذا امامي بوابات الجحيم !
وفيما بدأت تنفتح لألقى داخلها ، طار أحدهم بخفة وأوقف تنفيذ الحكم الصادر بحقي . حينئذ أوقفوني في مكاني . ثم انفتحت عيناي ورأيت نهراً نارياً لا حدود له حشر فيه المحكوم عليهم . كادت نفسي ان تقع . وفجأة ظهرت أمي بين النيران وقالت لي : ماذا يا ابني أتوضع انت أيضاً ههنا ؟ ألم تكن تزعجني قائلاً أنا ذاهب لأهتم بخلاصي ؟ فماذا فعلت إذاً ؟ وعلى الأثر بلغت ذراعي شرارة من نار جهنم فارتعشت كل مفاصلي ، ثم عدت الى نفسي . لا استطيع ان أنسى ما عانته نفسي من الهول والرعب " . بعد ذلك عاش هذا الاخ اثنتي عشرة سنة نائحاً على حياته التي أمضاها في التهاون ، ثم رقد بسلام في الرب مملوءاً رجاءً صالحاً . من كتاب القديس ثيوفان الحبيس سيرته وأعماله
|