لماذا لم يخلص الله آدم و حواء بالقوة ؟
فمجرد كلمة منه قادرة علي رد آدم و حواء اللذان سباهما الشيطان؟
ج: هذا الحل البديل لا يصلح للأسباب الآتية:
- أ -
ما أخذ بالقوة يسترد بالقوة .
أما الشيطان فانه لم يأخذ الإنسان بالقوة ..
لم يأخذ من ثمار الشجرة المحرمة , و لم يفتح فم آدم رغماً عنه ,
و لم يدفع إلي فمه الثمرة المحرمة .
بل أن الشيطان في الأصل لا يقدر أن يسبي الإنسان بالقوة,
لأن الإنسان في حماية القدير طالما كان ملتزما بطاعته.
إنما أسقط الشيطان الإنسان بالحيلة و المكر و الدهاء و الخداع و الغواية
" الحية غوتني فأكلت" (تك 13:3)
و كما أن الله كامل في قوته
فهو كامل في عدله أيضاً,
فلو ردَ الإنسان بالقوة فإن هذا يعتبر ضد عدل الله الكامل.
- ب-
خلق الله الإنسان حرا مريدا , فعودة الإنسان لله لابد أن تتم بكامل حريته و إرادته ,
فربما يرده الله بالقوة فيقول آدم له :
و من قال لك أنني أريد أن أسير معك ..
أنا لا أحب الطريق الكربة و لا الباب الضيق , و ربما تقول حواء :
انني معجبة بشغل الشياطين و لا أريد أن أتركهم ..
من أجل هذا يا صديقي يطيل الله أناته علينا لكيما نعود إلي أحضانه الأبوي بكامل حريتنا و إرادتنا ,
و يقول د. راغب عبد النور
"أن يتدخل الرب الإله تدخلا مباشرا , و ينتشل الإنسان مما فيه ,
و رغم ما به و ما عليه , و هو إجراء لا يتمشي مع عدالة و طهارة الله ,
و حتي إن تصورنا إلهنا قابلا أن يقوم بهذا الدور.
إلا أن الإنسان الذي سقط و تدنس ,
لا يستطيع أن يعايش الله في نوره و في قداسته ,
لأن كل ما فيه ينجذب نحو الظلام إنجذاباً تلقائياً ,
و قد يقبل الرب أن يقبل إلينا رغم ما فينا ,
فإننا في هذه الحالة سنهرب من وجهه هروبا ,
و لو إلي الموت"
- ج -
يناقش القديس أثناسيوس اقتراح البعض بأن الله كان يمكنه أن يخلص الإنسان
بكلمة منه فيقول
"يقولون إن كان الله قد أراد أن يصلح البشرية و يخلصها ,
وجب أن يتمم ذلك بمجرد نطق ملكي كريم ,
دون حاجة إلي تجسد "الكلمة"
أي بنفس الطريقة التي اتبعها سابقاً عندما أوجدها من العدم.
أما عن إعتراضهم هذا فنجيبهم جواباً معقولاً قائلين :
سابقا لم يكن شئ موجودا علي الإطلاق , فالذي كان مطلوبا لخلقة كل شئ هو النطق الملكي,
ثم مجرد الإرادة لإتمام ذلك.
أما و قد خلق الإنسان , و أصبح الأمر يحتاج إلي علاج ما هو موجود ,
ووصل الأمر إلي تلك الحال , لا ما هو ليس موجوداً , لهذا السبب ,
و لكي يبرئ الموجود , دعت الضرورة بطبيعة الحال أن يظهر الطبيب ,
و المخلص تأنس و استخدم جسده أداة بشرية"
(تجسد الكلمة 2,1:44).
وقال القديس كيرلس الكبير
"كان من أجل خلاصنا أن كلمة الله يصير إنساناً
لكي يجعل جسد الإنسان الذي تعرض للفساد خاصا له ,
و لكونه هو الحياة و المحيي يبطل الفساد الذي فيه".
- د -
عندما فسدت الطبيغة البشرية بالسقوط احتاجت للحياة لكيما تتحد بها
و تطرد الفساد و الموت من داخلها , و هذا الأمر لا يحتاج لكلمة من الله ,
إنما يحتاج للتجسد الإلهي , فيقول القديس أثناسيوس
"ثم يجب أن نعلم أيضاً , أن الفساد الذي حصل لم يكن خارج الجسد بل لصق به ,
و كان مطلوبا أن تلتصق به الحياة عوض الفساد , حتي كما تمكن الموت من الجسد ,
تتمكن منه الحياة أيضاً.
و الآن لو كان الموت خارج الجسد لكان من اللائق أن تتصل به الحياة من الخارج .
أما و قد صار الموت ممتزجاً بالجسد و سائداً عليه, كما لو كان متحداً به ,
فكان مطلوباً أن تمتزج الحياة لأيضاً , حتي إذا م لبس الجسد الحياة بدل الموت ,
نزع عنه الفساد , و فضلا عن هذا فلو افترضنا أن "الكلمة" جاء خارج الجسد و ليس فيه ,
لكان الموت قد غلب منه (من المسيح) وفقا للطبيعة, إذ ليس للموت سلطان علي الحياة ,
أما الفساد اللاصق بالجسد فكان قد بقي فيه رغم ذلك.
لهذا السبب كان معقولاً جداً أن يلبس المخلص جسداً ,
حتي إذا ما اتحد الجسد بالحياة لا يبقي في الموت كمائت ,
بل يقوم إلي عدم الموت إذ يلبس عدم الموت ..
لهذا لبس "المسيح" جسداً لكي يلتقي بالموت في الجسد و يبيده "
(تجسد الكلمة 4:44-6).
- ه -
بالتجسد رد الله الضربة للشيطان بالفعل , فيقول القديس يعقوب السروجي
"كما أن الشيطان دخل الحية و صرع الجنس البشري و أماته,
هكذا أراد الله أن يأحذ جسد الإنسان و يختفي فيه ليقبض علي الشيطان الحية القديمة و يهلكه".