سعاد الادارة العامة
عدد المساهمات : 22227 نقاط : 30251 تاريخ التسجيل : 10/10/2014 الموقع : لبنان
| موضوع: الجزء السادس /والسّابع/ والثّامن /التقديس والاتحاد بالله لا يُفرض على الإنسان إنما هو قبـــــول حُرّ منـــــه الإثنين ديسمبر 29, 2014 4:03 pm | |
| [ من التصق بالرب فهو روح واحد ] (1كو 6 : 17) سر يسوع تقديس الإنسان أي تأهيل الطبيعة البشرية للحياة مع الله كمجال حي لنتذوق عمل المسيح الخلاصي في حياتنا الجزء السادس:/ التقديس والاتحاد بالله لا يُفرض على الإنسان
إنما هو قبـــــول حُرّ منـــــه
نقرأ في إنجيل يوحنا: [ كان في العالم وكون به العالم ولم يعرفه العالم، إلى خاصته جاء وخاصتهلم تقبله. وأما كل الذين قبلوه فأعطاهم سُلطاناً أن يصيروا أولاد الله، أي المؤمنين باسمه… ] (يو1: 10 – 12)
فتقديس الإنسان للاتحاد بالله كابن في الابن الوحيد، لا يُفرض على الإنسان. فبالرغم من أنها نعمة من الله للإنسان، إنما نعمة الله دائماً تُقدر جداً حُرية الإنسان، لذلك فالتقديس والاتحاد بالله بالنعمة الإلهية يتطلب انفتاح كامل وواعي لقلب الإنسان، بل وكيانه كله يصير منفتحاً على نعمة الله التي تسكن فيه وتُقدس الروح والنفس والجسد معاً، فلابد من أن نعي هذه النعمة العُظمى ونقبل أن تعمل فينا فنقدم الإيمان ونصدق الله ونقبل عطيته لنا [وأما كل الذين قبلوه فأعطاهم سُلطاناً أن يصيروا أولاد الله، أي المؤمنين باسمه ].
[ اليوم أن سمعتم صوته فلا تقسوا قلوبكم ] (عبرانيين3: 7 و 8)
النعمة يا إخوتي تقرع باب القلب ولن تدخل أبداً إن لم يسمع ويستجيب ويفتح الإنسان قلبه، فتدخل النعمة فيدخل فوراً في علاقة شركة قائمة على محبة قلبيه متبادلة بينه وبين الله حبيبه الخاص…
فلا يكفي أبداً أن نعرف النعمة ونسمع صوت قرعها على قلوبنا، ونفرح بحضورها معنا، بل لابدَّ من أن نفتحالقلب لها باختيارنا وحريتنا وإرادتنا، لأننا نُريدها فعلاً وليس كلاماً !!! فإذ كان هناك على باب بيتنا ضيف نريده أن يكون معنا، أفلا نفتح له سريعاً لأننا نحبه ونُريده أن يدخل إلينا لنُقيم معه شركة، فكم تكون النعمة المُخلِّصة حينما تقرع باب القلب، كيف نتصرف معها ونعمل !!!
إن السرّ في علاقة الشركة والوحدة مع الله (أي التأله كما سبق وقلنا وشرحنا معانها في الجزء الخامس من الموضوع)، هو كونها علاقة لا تحيا إلا في جو من الحرية بين الطرفين (الله وأنا)، فالله من جهة يُبادر بالدعوة، وهي مجانية مقدمة منه بالمحبة وبذل ابنه الوحيد على عود الصليب، والإنسان بدوره يُلبي الدعوة ويستجيب لنداء الله بموافقة الإيمان:
[ كما أن قدرته الإلهية قد وَهَبَتْ لنا كل ما هو للحياة والتقوى بمعرفة الذي دعانا بالمجد والفضيلة اللذين بهما قد وَهَبَ لنا المواعيد العُظمى والثمينة، لكي تصيروا بها شركاء الطبيعة الإلهية هاربين من الفساد الذي في العالم بالشهوة ] (2بط1: 3 – 4)
ويقول القديس مقاريوس الكبير: [ كذلك الله الذي يعتني بالإنسان ويتراءف عليه، فإن النفس التي تأتي باشتياق إليه، ينقاد هو إليها بالمحبة وبتحننه الطبيعي المختص به، ويتحد بنفسها، ويصير معها روحاً واحداً كقول الرسول. لأن النفس بالتصاقها بالرب وبمداومة العقل في نعمة الرب بلا انقطاع، يتراءف الرب عليها ويسكب محبته عليها ويُلازمها، وبذلك فإن النفس تصير هي والرب روحاً واحداً وامتزاجاً واحداً وعقلاً واحداً، وإن يكن جسدها على الأرض فأن عقلها يكون بكليته في أورشليم السمائية، يعلو إلى السماء… ويتحد بالرب اتحاداً شديداً ويخدمه هُناك.
وكذلك أيضاً هو، حينما يكون جالساً على كرسي العظمة في العُلا، فهو يكون معها بكليته، لأنه وضع صورتها فوق في المدينة السماوية مدينة القديسين، أي أورشليم، وأما صورته الخصوصية أي صورة نور لاهوته الفائق الوصف فإنه وضعها فيها، هو يتولاها في مدينة جسدها وهي تخدمه في مدينته السماوية، هي وريثته في السماء وهو وارثها على الأرض، فالرب يصير ميراثاً للنفس والنفس تصير ميراثاً للرب. ] (القديس مقاريوس عظة 46)
ويقول أيضاً: [ ومن حيث أن النفس تكون… كثيرة الاشتياق الحار إلى العريس السماوي بالنعمة الساكنة فيها، وتشتهي دوماً أن تدخل بالتمام إلى الشركة السرية معه، (الشركة) الفائقة الوصف بتقديس الروح. حينئذ يكشف نظرها فترى العريس السماوي بعين نقيه وجهاً لوجه في ذلك النور الروحاني الذي لا يوصف… ] (حياة الصلاة ص200: 287)
غنى النعمة ووافر السلام لكم جميعاً في الرب كونوا معافين باسم الثالوث القدوس الإله الواحد آمين
عدل سابقا من قبل سعاد في الإثنين ديسمبر 29, 2014 4:17 pm عدل 1 مرات | |
|
سعاد الادارة العامة
عدد المساهمات : 22227 نقاط : 30251 تاريخ التسجيل : 10/10/2014 الموقع : لبنان
| موضوع: رد: الجزء السادس /والسّابع/ والثّامن /التقديس والاتحاد بالله لا يُفرض على الإنسان إنما هو قبـــــول حُرّ منـــــه الإثنين ديسمبر 29, 2014 4:08 pm | |
| [ من التصق بالرب فهو روح واحد ] (1كو 6 : 17) سر يسوع تقديس الإنسان أي تأهيل الطبيعة البشرية للحياة مع الله كمجال حي لنتذوق عمل المسيح الخلاصي في حياتنا الجزء السابع:/ التقديس والاتحاد بالله امتداد دائم
إن التقديس التي تحدثنا عنه الذي هو الاتحاد بالله وسكناه الحقيقي فينا ووحدتنا معه (أي التأله حسب المصطلح الآبائي) لا يتوقف عند حد، أو مرحلة معينة [ها ملكوت الله داخلكم (لو 17: 21) ]، وملكوت الله بطبعه يمتد وينمو في الإنسان، على قدر انفتاح القلب لاستقباله ونمو كل واحد فيه بحسب عمل الروح القدس، روح التقديس. [ ومن هُنا نفهم لماذا نستمر ونظل نتناول من سرّ الإفخارستيا ].
أن التقديس أو مسيرة الإنسان في حياة القداسة بالنعمة واتحاده مع الله ليس رتيباً أو وقوف ثابت، بل هو ممتداً في ملئ لا ينضُب. ففي مُلك يسوع كل واحد يتقدم دائماً إلى الأمام، في سعي متواصل لا ينتهي قط [ أيها الإخوة أنا لست أحسب نفسي إني قد أدركت ولكني أفعل شيئاً واحداً إذ أنا أنسى ما هو وراء وأمتد إلى ما هو قدام. أسعى نحو الغرض لأجل جعالة دعوة الله العليا في المسيح يسوع (في3: 13 – 14)]، فكل واحد يتقدم للأمام مستنيراً أكثر فأكثر بنور الثالوث القدوس.
ويقول القديس غريغوريوس النيصي: [ هُنا أن تحيا يعني أن تتغير. وأن تُصبح كاملاً يعني أن تكون قد تغيرت ] ويقول أيضاً: [ في الملكوت (في الإنسان) جوهر الكمال يتألف بشكل دقيق من كونه لا يُصبح كاملاً أبداً، ولكنه في تقدم مستمر نحو الأمام، إلى كمال أعلى من الذي قبله ]
فيا إخوتي، أننا بلا أدنى شك، سنبقى على الدوام في شوقٍ إلى الامتلاء من الله غير المحدود وغير المتناهي. نحن بطبيعتنا المخلوقة محدودون وهو بطبيعته اللاهوتية غير محدود، وغير نهائي. وسيبقى شوقنا إليه وامتلائنا منه عملين دائمين من جهة، ومتزايدين لحظة بعد لحظة من جهة أُخرى، لأننا سنظل نمتلئ وندخل من مرحة لمرحلة أخرى في الملء والقداسة، وهكذا نستمر ولن نتوقف قط…
فبما أن الله غير محدود، فإن قداستنا وامتلائنا منه واتحادنا بشخصه هو تقدم دائم نحو الأمام، هو امتداد دائم مستمر لا يتوقف: [ أيها الإخوة: أنا لست أحسب نفسي قد أدركت. ولكني أفعل شيئاً واحداً: إذ أنسى ما هو وراء وأمتدإلى ما هو قدام ] (في3: 13) فالإنسان دائماً يمتلئ من الله، ومع ذلك يسعى دائماً إليه ولن يتوقف إطلاقاً إلا لو أصابه مرض روحي عطل مسيرته، أو خطية أربكت حياته، ولكنه يعود ويتوب ويلتمس الغفران والشفاء من الله ليستكمل المسيرة مرة أخرى وبشغف وشوق أعظم ناسياً ما فات ممتداً إلى الأمام… والنفس دائماً تفرح في الرب، ومع ذلك تنمو دائماً في فرح أكثر [ أفرحوا في الرب كل حين وأقول أيضاًأفرحوا ] (في 4: 4) وعموماً الله دائماً ما يقترب أكثر فأكثر منا، ومع ذلك سيبقى هو الله المحب الذي نسعى إليه أكثر فأكثر، ويوماً بعد يوم، وسنلتقي به وجهاً لوجه، ومع ذلك نستمر في الاقتراب منه أكثر فأكثر ونتعمق في سره الإلهي، ونكتشف أعماق هذا السرّ في كل أيام حياتنا بإعلان الروح القدس الذي يسكن أوانينا الخزفية الضعيفة… وبالرغم من أننا لم نعد غرباء عن الله، ومع ذلك لن نتوقف عن أن نكون سائرين نحوه بشغف عظيم ومستمرين في المعرفة والرؤيا والقرب منه، متغيرين لصورته عينها [ من مجد إلى مجد كما من الرب الروح ] (2كو3: 18) إننا حقاً لن نصل أبداً إلى نقطة الاكتفاء والإنجاز النهائي لكل شيء، أو نكتشف كل ما يُمكن اكتشافه أو ندرك إدراك كامل لجميع الأسرار الإلهية، ويقول القديس إيرينيئوس: [ ليس فقط في هذا الوقت الحاضر، بل وفي الدهر الآتي أيضاً، سيكون لدى الله دائماً شيء ما جديد ليُعلمه للإنسان وسيبقى لدى الإنسان دائماً شيءٌ ما جديد ليتعلمه من الله ]
الشوق إلى الله لهيبٌ لا يبرد. فكلما وصل المشتاق إلى الله إلى درجة، فأنه يزداد لهيباً ليصعد لدرجة أخرى، ولذلك فهو يبتدئ باستمرار. فكل نقطة يصل إليها تُصبح بداية انطلاق لنقطة أعلى، يأخذ من الخبرة السابقة قوة وينطلق بها لقوة أعظم ليدخل لخبرة جديدة أمجد، وبذلك يستمر يمتد بلا توقف…
ونجد القديس بولس الرسول الذي قال أنسى ما للوراء وامتد لما هو قدام في فيلبي، أنه قالها بعد أن نوه في رسالة كورنثوس الأولى (2: 9 – 10)، رسالة كورنثوس الثانية (12: 1 – 4) بالمشاهدات الإلهية وصعوده للسماء الثالثة، ومع ذلك قال أنسى ما للوراء وامتد لما هو قدام، فهو لم يجلس ويتوقف عند مرحلة معينه بل تركها ليدخل في مرحلة أعمق وأمجد ناظراً لما هو قدام، مع أنه لم ينسى خبراته الروحية السابقة بل ظلت في قلبه كأساس لا يهتز أو يتزعزع ليكمل عليه البناء. وكذلك موسى أيضاً في العهد القديم، فبعد أن صعد إلى الجبل وعاين الله لم يكتفي بل طالب بأن يراه بعينيه، لذلك نجد أن كل من يعرف المسيح الرب حسب إعلان ذاته في القلب بالروح القدس، فأنه دائماً يشتاق إلى ما هو أعلى وأعظم وأعمق، فالله لا يُشبع منه أبداً، بل نظل نشرب ونرتوي ونشبع من ماء الحياة ودسم النعمة الذي يمدنا بالقوة الفائقة…
فالله الذي هو الخير والجمال الأعظم [ أنت أبرع جمالاً من بني البشر. انسكبت النعمة على شفتيك ] (مز45: 2)، هو الذي يجذب النفس إليه بلا هوادة:
[ أسمعي يا بنت وأميلي أُذنيكِ وانسي شعبك وبيت أبيكِ فيشتهي الملك حُسنك. لأنه هو سيدك فاسجدي له ] (مز45: 10) [ أجاب حبيبي وقال لي قومي يا حبيبتي يا جميلتي وتعالي ] (نش2: 10) [ أسمعيني صوتك لأن صوتك لطيف ووجهك جميل ] (نش2: 14) [ صوت حبيبي قارعاً. افتحي لي يا أختي يا حبيبتي يا حمامتي يا كاملتي، لأن راسي امتلأ من الطل وقُصصي من ندى الليل ] (نش5: 2) وبجذبه يتولد الشوق إليه في النفس: [ أنا لحبيبي وإليَّ اشتياقه ] (نش7: 10)
وبذلك تستقر النفس على الصخر أي شخص الكلمة المتجسد ربنا يسوع المسيح، ولكنها لا تعرف إلا الاستقرار فيه، إذ يزداد اشتياقها لرؤية متسعة وبالتالي إلى استقرار أعمق، وتطلب قوة الحب الذي لا ينتهي وذلك للتعمق والاتحاد بالعريس السماوي الذي هو سر حياة النفس وفرحها الحلو:
[ أجعلني كخاتم على قلبك، كخاتم على ساعدك. لأن المحبة قوية كالموت. الغيرة قاسية كالهاوية. لهيبها لهيب نار لظى الرب. مياه كثيرة لا تستطيع أن تُطفئ المحبة والسيول لا تغمرها.. ] (نش8: 6 – 7)
فالنفس تتذوق الله بالمحبة، ولكنها لا تشبع منه قط، تستنير منه ولكنها تبقى في ظل نوراني، لأن مشاهدة النور الكامل والمطلق وبتمامه مستحيلة الآن ونحن في الجسد… الله سرمدي أزلي أبدي غير متناهٍ في جوهره، والنفس خالدة وغير متناهية لا في جوهرها بل في صيرورتهاحسب دعوة الله وسر خلقتها على صورته، فهي في حالة صيرورة دائمة تنمو وترتفع من درجة إلى درجة حسب النعمة المعطاة لها أي الموهوبة لها. فهي بالروح القدس تدخل إلى أعماق الله، ولكن تبقى أعماق الله مستحيل الوصول إلى كمالها المطلق…
يدخل الله إليها ويسكن فيها، ولكنها لا تستطيع أن تحوي كماله، فتطلب المزيد باستمرار فتخرج عن ذاتها إلى الله المحبة النورانية التي تبدد كل شبه ظلمة في أعماق النفس الداخلية…
ولا يزيد تقدم النفس إلا اضطراماً ولهفة للتقدم والتعمق. فهي تُفتش دائماً وأبدا عن الله وتستمر في الشوق إليه، وتُجاهد طالبه إياه وحده. فالركض متواصل وبلا توقف. والله يوسع إمكانيات النفس لتدخل إلى العمق، إلى مياه سباحة نهر لا يُعبر (حز 47: 5)، وهي تنال منه بصورة نسبية، أي بحسب حالتها، أي في كل درجة، مثلاً، تنال بحسب وضعها في هذه الدرجة الروحية، وحينما تصعد إلى درجة أخرى أعمق تزداد سعتها فيزداد عطاء الله لها، فهي دائماً تسأل الله لتنال منه والله يجود عليها ويفيض…
ومن هُنا نستطيع ان نفهم قول القديس مقاريوس الكبير: [ النفس التي تحب الله بالحق، ولو أنها تعمل عشرة آلاف من أعمال البرّ، فهي تعتبر ذاتها أنها لم تعمل شيئاً بسبب أنها لا تشبع من إلهام الله. وعلى الرغم من أنها تجهد الجسد بأصوام وأسهار كثيرة، إلا أنها ترى درجتها بالنسبة إلى الفضائل كأنها لم تبدأ بعد بأي عمل جَدي فيها. وبالرغم من عطايا الفضائل الروحية الكثيرة والاستعلانات والأسرار السماوية التي يُنعم بها عليها، فهي تشعر في ذاتها أنها لم تحصل على شيء البتة، وذلك بسبب حبها غير المحدود لله الذي ترى أنها لم تشبع منه قط.
طول النهار تجوع وتعطش بسبب الحب والأمانة، تُصلي بمداومة وتستمر في تتميم الفضائل وفي التنعم بالأسرار بغير شبع، يدفعها حبها المتأجج للروح العُليا… باستمرار تتحرك بلا هدوء في داخل نفسها بالإلهام والنعمة نحو العريس السماوي متشوقة أن تصل إلى ملءالاتحاد معهُ بالقداسة لتستريح. وقليلاً قليلاً يرتفع الحجاب الثقيل عن وجه الروح فتُحدَّق في العريس السماوي وجهاً لوجه في نور الروح الذي لا يُعبَّر عنه، فتتلامس معه بكمال الثقة. وإذ تتشكل به ترقب حائرة بشوق عظيم أن تموت للمسيح لتكون معهُ على الدوام… ] (حياة الصلاة ص205: 306)
غنى النعمة ووافر السلام لكم جميعاً في الرب كونوا معافين باسم الثالوث القدوس الإله الواحد آمين
| |
|
سعاد الادارة العامة
عدد المساهمات : 22227 نقاط : 30251 تاريخ التسجيل : 10/10/2014 الموقع : لبنان
| موضوع: رد: الجزء السادس /والسّابع/ والثّامن /التقديس والاتحاد بالله لا يُفرض على الإنسان إنما هو قبـــــول حُرّ منـــــه الإثنين ديسمبر 29, 2014 4:15 pm | |
| [ من التصق بالرب فهو روح واحد ] (1كو 6 : 17) سر يسوع تقديس الإنسان أي تأهيل الطبيعة البشرية للحياة مع الله كمجال حي لنتذوق عمل المسيح الخلاصي في حياتنا الجزء الثامن:/ التقديس والاتحاد بالله كخبرة وعلامته في الإنسان
في الحقيقة الإنجيلية وحسب التسليم الآبائي الرسولي فالتجسد هو باختصار شديد وتركيز: [ الله صار جسداً، حتى كل ذي جسد يتقدس ويصير مقراً صالحاً لسكنى الله وحلوله الخاص ]، وهذا هو ما عبر عنه الآباء بلفظة [ التأله ] أي الاتحاد بالله، أي أن كل واحد فينا يتطبع بطبع جديد سماوي وهو طبع المسيح الرب، أي بمصطلح القديس بولس الرسول: [ خليقة جديدة ] [ إذاً أن كان أحد في المسيح فهو خليقة جديدة الأشياء العتيقة قد مضت هوذا الكل قد صار جديداً ] (2كو5: 17)، [ وأما من التصق بالرب فهو روح واحد ] (1كورنثوس6: 17)، أي باختصار شديد نتغير لصورة المسيح ونصعد لله في الروح القدس، إذ أن الروح القدس روح البنوة الذي يغيرنا إلى صورة الابن الحبيب ومن خلاله نتقدم لله الآب ونقول له أبانا وهذا هو قصد الآباء من كلمة التأله، وبحسب الإنجيل [ ونحن جميعاً ناظرين مجد الرب بوجه مكشوف كما في مرآةنتغير إلى تلك الصورة عينها من مجد إلى مجد كما من الرب الروح ] (2كو3: 18)، وهذا هو التعليم الأرثوذكسي (المستقيم) الرسولي الآبائي الصحيح، والذي هو إيماننا الحي بتجسد الكلمة، وفعله فينا بالروح،فمن يقول أني أؤمن بالتجسد يحيا على هذا المستوى ويسعى إليه بكل طاقته، لأن التجسد ليس نظرية ولا فكر ولا مجرد احتفال بالمسيح الله الظاهر في الجسد ونحن بعيدين عنه، لأن الشيطان نفسه بعد موت الرب على الصليب عرفه أنه هو المسيح الكلمة المتجسد، فلو صدقنا فقط أنه الكلمة المتجسد أي الله الظاهر في الجسد، فماذا يفرق عن الشيطان الذي صدق ولكنه لم ولن يستطع أن يلتصق بالرب إطلاقاً ويستحيل أن يتغير إليه او يصير خليقة جديدة …
يا إخوتي، أن المراحل التي جاء بها الابن الحبيب إلينا واتحد بنا حتى الموت لأجلنا، هي المراحل عينها التي بها يضُمنا إليه ويوحَّدنا به، ويقودنا إلى الآب نبع الخيرات السماوية، إلى أن يجعلنا نتشرب بالتمام من حياته فيُحيينا بحياته الخاصة.
وهذه مراحل الطريق الوحيد الذي هو المسيح الرب بشخصه [ أنا هو الطريق والحق والحياة ليس أحد يأتي إلى الآب إلا بي ] (يو14: 6)، يكشفها لنا العهد القديم بالصور بروح النبوة والإلهام، ويُحققها يسوع المسيح اللوغوس الكلمة المتجسد فينا بروحه الساكن في أوانينا الخزفية؛ أنها كالآتي وكما أُعلنت: الخلق والوعد، الفصح والخروج، العهد والملكوت، الجلاء والعودة، التجديد وانتظار المنتهى.
فالعهدان، القديم والجديد، واللذان هما عهد واحد في جوهرهم، قد حفرا في قلب التاريخ هذا الفصح العظيم، فصح التجسد المؤلِّه، أي هو سر اتحاد الله بالإنسان، ورفعة الإنسان للمجد الإلهي في المسيح يسوع بعمل روح الله الذي قدسنا وخصصنا لله الحي وهو بذاته يعيش في داخلنا ويطبع فينا ملامحه الخاصة (بصورة نسبية) لنكون صورته لا كفكرة، بل حقيقة دامغة معلنه فينا وواضحة كلما نقرب منه كل يوم ونأخذ من شخصه نعمة فوق نعمة.
فيا إخوتي انتبهوا بقلبكم وركزوا أحاسيسكم في عمل الله باستنارة الذهن بالروح، فالكتاب المقدس بهذه الطريقة الذي نشرحها لا كحرف إنما كخبرة وحياة، فأنه يصير حياة الله فينا بالسرّ، مع ملاحظة أنه لم يعد معرفة السرّ الإلهي مجرد علم وثقافة ومعلومات جديدة وأبحاث، بل هو حدث يحققه الروح القدس ويُتممه فينا بتقديسنا وتغييرنا لشكل وصورة المسيح الرب، وتصير فينا كل يوم إشراق جديد بقوة أعظم طالما نحن نحيا بالتوبة والإيمان ولقاء الله الحي وجهاً لوجه في الصلاة وقراءة الكلمة بانفتاح الذهن المستمر بالنعمة…
عموماً الأمر لا يتعلق بفهم الطرق التي بها يُقدسنا المسيح الرب بروحه الساكن فينا، لأن فهمها يعسُر علينا. فالمهم هو أن نتمكن من أن نحيا على هذا المستوى بقوة الله وعمله في داخلنا.
والذي يجعلنا نحيا حياة التقديس والاتحاد بالله أي التأله (كما سبق وشرحنا)، بعمق وكثافة وازدياد هيالإفخارستيا، ويقول القديس مكسيموس المعترف [ يصير الإنسان إلهاً (التقديس والاتحاد بالله)، بقدر ما يصير الله إنساناً ].
فالقداسة المسيحية التي بها نُعاين الرب هي عملية تأليه (ليس مساواة الله طبعاً وقد سبق وشرحنا المعنى بالتفصيل ولن نُعيد ما سبق وشرحناه فرؤجاء للعودة للأجزاء السابقة لكي لا يفهم أحد الكلام خطأ كالعادة) أي الاتحاد بالله في المسيح، وذلك لأننا نشترك، في بشريتنا الواقعية المحسوسة، في بنوة المسيح من جهة أنه زرع نفسه فينا باتحاد غير قابل للافتراق، فأعطانا سمة بنوته وملامحها صارت فينا، (( وينبغي أن أؤكد لكي لا يفهم أحد الكلام خطأ كالعادة، أننا لا نشترك في بنوية المسيح الرب الطبيعية أي المساواة له، بل نحن نأخذ البنوة بالتبني وليس طبيعة، فنحن صرنا بسبب تجسد الكلمة وانتساب الجسد له، منتسبين إليه، لذلك صرنا ابناء لله بالتبني في المسيح يسوع الكلمة الظاهر في الجسد: [ وأما كل الذين قبلوه (قبلوا الله الكلمة المتجسد) فأعطاهم سلطاناً أن يصيروا أولاد الله أي المؤمنون باسمه، الذين ولدوا (خليقة جديدة – إذاً أن كان أحد في المسيح فهو خليقة جديدة) ليس من دم ولا من مشيئة جسد ولا من مشيئة رجل بل من الله ] (يو1: 12و 13) ))
فنحن نتقدس حينما نزداد اتحاداً بناسوت المسيح ولاهوته اللذان لا فصل بينهما على الإطلاق [ لاهوته لم يفارق ناسوته لحظة واحدة ولا طرفة عين ] (القداس الإلهي): [ وفيما هم يأكلون أخذ يسوع الخبز وبارك وكسر وأعطى التلاميذ وقال: خُذوا كلوا. هذا هو جسدي. وأخذ الكأس وشكر وأعطاهم قائلاً: أشربوا منها كلكم. لأن هذا هو دمي الذي للعهد الجديد الذي يُسفك من أجل كثيرين لمغفرة الخطايا ] (مت26ى: 26 – 28؛ مرقس14: 22 – 24؛ لوقا22: 19 – 20)
عموماً نجد بوضوح شديد أن الليتورجية التي هي الإفخارستيا المحتفل بها، تجعلنا نعيش بكثافة، تدبير الخلاص الذي هو تقديسنا في المسيح، من أجل أن نحيا الآن وعلى طول الزمان، هذا الزمان الجديد الذي أُدخلنا يه من قِبَل التدبير حسب مسرة مشيئة الآب: [ مبارك الله أبو ربنا يسوع المسيح الذي باركنا بكل بركة روحية في السماويات في المسيح. كما اختارنا فيه قبل تأسيس العالم لنكون قديسين وبلا لوم قدامه في المحبة. إذ سبق فعيننا للتبني بيسوع المسيح لنفسه حسب مسرة مشيئته. لمدح مجد نعمته التي أنعم بها علينا في المحبوب. الذي فيه لنا الفداء بدمه غفران الخطايا حسب غنى نعمته التي أجزلها لنا بكل حكمة و فطنة. إذ عرفنا بسر مشيئته حسب مسرته التي قصدها في نفسه لتدبير ملء الازمنة ليجمع كل شيء في المسيح ما في السماوات وما على الارض في ذاك الذي فيه أيضاً نُلنا نصيباً مُعينين سابقاً حسب قصد الذي يعمل كل شيء حسب رأي مشيئته. لنكون لمدح مجده نحن الذين قد سبق رجاؤنا في المسيح. الذي فيه أيضاً أنتم إذ سمعتم كلمة الحق إنجيل خلاصكم الذي فيه أيضاً إذ آمنتم ختمتم بروح الموعد القدوس. الذي هو عربون ميراثنا لفداء المقتنى لمدح مجده ] (أفسس1: 3 – 14)
فيا إخوتي نحن في عهد التذكار: [ أصنعوا هذا لذكري Άνάμνησις – anamnesis ]: وهو التذكر الحاضر بملء قوة التدبير. ففي الاحتفال الليتورجي تذكر الكنيسة أحداث الخلاص التي صنعها الله في التاريخ، والتي اكتمل تحقيقها في صليب المسيح الرب وقيامته، وهذا هو الحدث الفصحي الذي لنا في الكنيسة، وهذا الحدث الفصحي الذي حدث في التاريخ الإنساني مرة واحدة ولن يتكرر، هو نفسه قد أصبح الآن معاصراً لكل لجيل، في كل لحظة من حياتنا:
فالمسيح الرب، بكونه قام من بين الأموات، أخترق الزمن المائت، فتحول الزمان إلى أبدية حاضرة مملوءة من حياة الله ومجده، يشعره كل من يقرب من الله ليطلب أن يقدسه ويدخله في حياة الشركة مع شخصه الحي.
عموماً المقصود بالتذكار، هو تذكار من نوع جديد تماماً: فنحن من يتذكر، إلا أن الحقيقة التي نتذكرها لم تعد في الماضي ولا في المستقبل، بل هي حاضرة في ملء قوتها وقوة فعل عملها، وهكذا تُصبح ذاكرة الكنيسة حاضرة حضوراً بهياً وفعالاً نتذوق منها الخبرة ونأخذ ونمتلئ ونحيا بها ونعيش، لذلك يا إخوتي عبارة [ أصنعوا هذا لذكري ] لم تكن عبارة للتفكير أو تذكر ماضي أو أحداث، بل هي قوة حياة ننال منها تقديس فوق تقديس، وقوة فوق قوة !!!
من هُنا نرى أن الاحتفال بسرّ الليتورجية هو المكان والوقت اللذان يتجلى فيهما ويظهر نهر الحياة الجارف في سر التدبير ليتدفق بغزارة على حياة المسيحي ليُقدسها ويربطها بوحدة واحدة مع الكنيسة في الله، وهنا فقط يصبح كل ما للمسيح الرب هو للإنسان كقوة روح وحياة في داخله مسكوبة حسب مسرة مشيئة الله، وهنا لا تصبح المسيحية لنا لغو كلام باطل ولا نظريات ولا معرفة عقلية بل معرفة اختباريه تظهر في حياتنا فيشع منا نور الله فيجذب الجميع إليه فيمجده الكل ويمدح مجد نعمته…
غنى النعمة ووافر السلام لكم جميعاً في الرب كونوا معافين باسم الثالوث القدوس الإله الواحد آمين
| |
|