\
بناء دير سيمونوبترا.
القدّيس سمعان المفيض الطّيب مؤسّس دير سيمونوبترا
(يعيّد له في 28 كانون الأوّل)
كان القدّيس سمعان المفيض الطّيب (القرن الرّابع عشر) يقيم في إحدى مغاور الجبل المقدّس، مجاهدًا هناك لسنوات طويلة حافلة بمشقّات كثيرة. لذلك، وهبه الله نعمة التّمييز وتفسير الكتاب المقدّس. كثيرون كانوا يلجأون إليه طلبًا للمنفعة الرّوحيّة. لهذا، فكّر بالإنتقال إلى مكانٍ أكثر عزلةً ليتجنّب بذلك إكرام النّاس وإزعاجهم له.
لكنّ الله الّذي يهتمّ دائمًا بمنفعة البشر، لم يسمح له بالمغادرة. في إحدى اللّيالي وبينما كان يصلّي، ملأ المغارة فيض نورٍ إلهيّ، عندئذٍ تنسّم البارّ رائحة طيب وشعر بغبطةٍ روحيّة، وسمع صوتًا يقول:
- سمعان، سمعان، يا محبّ وعابد ابني الأمين، لا تذهب. لقد وضعتُك هنا لكي تصير نورًا عظيمًا وتمجّد هذا المكان.
لم يصدّق سمعان المتواضع كلمات والدة الإله، خشية أن تكون فخًّا من العدو، الّذي "يظهر بهيئة ملاك نور" حسب الرّسول الإلهيّ. لذلك لم يتخلَّ عن رغبته بالمغادرة، ولكنّه رأى في إحدى اللّيالي مشهدًا رائعًا: بدا له أنّ نجمًا نزل من السّماء، ووقف في المكان حيث ينتصب ديره المقدّس الآن.
تجدّدت هذه الرّؤيا في ليالٍ أخرى ولكنّه لم يُعِرها اهتمامًا، خوفًا من أن تكون خدعة من العدو.
في ليلة الميلاد لم يرّ النّجم ينزل ويقف على الصّخرة المقابلة فحسب، لكنّه سمع صوتًا إلهيًّا ثلاث مرّات:
- سمعان، هنا يجب أن تبني ديرك من أجل خلاص النّفوس. أنا سأكون عونًا لك، ولكن احذر من ألا تصدّق ثانية لئلا تصاب بأذى.
شعر البارّ بالخوف وبالفرح معًا!!... أحسّ أنّه موجود في بيت لحم، وأنّه مع الرّعاة يعاين الطّفل الإلهيّ المولود ووالدة الإله مريم ويوسف الصّدّيق... وأنّه يسمع بفرح التّرانيم الملائكيّة "المجدُ لله في العلى وعلى الأرض السّلام وفي النّاس المسرّة"...
لم تمضِ أيّام كثيرة حتّى زاره ثلاثة رجال وطلبوا منه أن يقبلهم تحت رعايته. رفض في البداية، لكنّه قبلهم بعد إلحاحٍ شديد، وبعد الاختبار اللازم صيّرهم رهبانًا، ثمّ روى لهم رؤياه الميلاديّة وقال:
- أبنائي، أعتقد أنّ الله قد أرسلكم إلى هنا، لا لكي تخلّصوا نفوسكم فقط، ولكن لكي تساعدوا في بناء ديرنا هنا. اذهبوا غدًا للبحث عن بنّائين.
عندما جاء الإخوة بالبنّائين وأراهم البارّ موقع البناء، رفض أولئك قائلين:
- ماذا تقول أيّها الأب؟. أحقًا ما تقول أم أنّك تمزح؟. إنّ المكان متطرّف جدًا يقع على شفير جرفٍ عالٍ ويشكّل خطرًا، لا علينا فقط، بل على من سيقيم فيه.
أدرك القدّيس بأنّه لن يقنعهم بمباشرة البناء بالكلام. كان لا بدّ من تدخّلٍ عجائبيّ...
طلب من تلاميذه أن يجهزوا مائدةً لكي يأكلوا في ذلك المكان. لكنّ الرّاهب الّذي كان يقدّم النّبيذ فقد توازنه ووقع من قمة الصّخرة إلى الهاوية، وهو يمسك بيده إبريق النّبيذ وباليد الأخرى الكأس.
حينئذٍ قال البنّاؤون للقدّيس وهم غاضبون:
- أرأيت؟، لقد كنتَ سببًا في مقتل الرّاهب، فإنْ بدأنا بالبناء كم سيكون عدد الّذين سيلقون المصير نفسه.
كان البارّ سمعان يصلّي بصمت ويتوسّل من أعماق نفسه إلى السّيّدة والدة الإله، بينما انطلق الآخرون للبحث عن الرّاهب "السّيّء الحظ". لكنّهم فوجئوا به صاعدًا سليمًا لم يصبه أي ضرر... كان ممسكًا بيديه الكأس وإبريق النّبيذ الّذي لم ينسكب منه شيء.
عندما رأى البنّاؤون المعجزة ارتاعوا وسقطوا عند قدمي البارّ طالبين المغفرة، ثم تعهدوا بطيبة خاطر بناء رائعة الهندسة الآثوسيّة الّتي تُسمّى دير "سيمونوبترا" الّذي كُرِّس على ميلاد الرّب يسوع المسيح.
المرجع:
الخورية سميرة حموي عطيّة (2009)، مواهب وموهوبون، الجزء الثّاني.