الكهنوت بالمعنى الروحي
القديس العظيم البابا شنوده الثالث
ما هو المعنى الروحي لكلمة كهنوت؟
إنه ولا شك كهنوت روحي، يقدم فيه المؤمن ذبائح روحية، وبخورًا روحيًا،
دون أن يكون كاهنًا بالمعنى الحرفي؟ ويمكن أن ينطبق هذا على جميع المؤمنين..
يقول المرتل في المزمور
" فلتستقم صلاتي كالبخور قدامك. وليكن رفع يدي ذبيحة مسائية"
(مز 141).
هذا هو الكهنوت الروحي:
بخور من هذا النوع، وذبيحة من هذا النوع. وهذا متاح للجميع..
ويقول القديس بولس الرسول في رسالته إلى أهل رومية:
"أطلب إليكم أيها الأخوة برأفة الله، أن تقدموا أجسادكم ذبيحة حية مقدسة،
مرضية عند الله عبادتكم العقلية"
(رو 12: 1).
هذه هي الذبيحة التي يمكن أن يقدمها كل مؤمن، وبها يعتبر كاهنًا بالمعنى الروحي:
"صلب الجسد مع الأهواء"
(غل 5: 24)،
أو باقي أعمال الإماتات المتنوعة للجسد، كقول الرسول "نسلم دائما للموت"،
"الموت يعمل فينا"، "حاملين في الجسد كل حين إماتة الرب يسوع"
(2كو 4: 10-12).
كل هذه الذبائح الروحية، داخلة في أعمال العبادة والصلاة.
ومن أمثلتها أيضًا ذبيحة التسبيح
" فلنقدم به كل حين لله ذبيحة التسبيح.. أي ثمر شفاه معترفة اسمه"
(عب 13: 15)،
أو ما ورد في (مزمور 116)
" لك أذبح ذبيحة الحمد (أو الشكر)، وكقول الرسول أيضًا
"لا تنسوا فعل الخير والتوزيع، لأنه بذبائح مثل هذه يسر الله"
(عب 13: 16)، ومثلها أيضًا (فى 4: 18).
إن تقديم مثل هذه الذبائح، هو المقصود بالكهنوت العام لجميع المؤمنين.
وهذا لا يمنع مطلقا الكهنوت الخاص بتقديم الأسرار المقدسة،
الذي خص به الله أناسا معينين لخدمته.
الأمران موجودان معًا، في العهد القديم، وفي العهد الجديد أيضًا.
داود النبي كان صلاته ترتفع كالبخور قدام الله، وكان رفع يديه ذبيحة مسائية (141).
ولكن هل كان يجرؤ داود وهو مسيح الرب، ونبي،
أن يقدم ذبيحة كما يفعل أصغر كاهن من بنى هارون؟!
حاشًا..
كذلك في العهد الجديد:
كل إنسان يستطيع أن يقدم ذبيحة الحمد، وذبيحة التسبيح، وذبيحة العطاء والتوزيع،
ويقدم جسده ذبيحة حية، ويرفع يديه كذبيحة مسائية..
ولكن هل يجرؤ أحد أن يقدم الذبيحة التي هي جسد الرب ودمه في سر الإفخارستيا،
والتي بها يدعى الكاهن كاهنًا في العهد الجيد؟؟ مستحيل..
هوذا القديس بولس الرسول يقول عن كهنوت العهد الجديد
" لا يأخذ أحد هذه الكرامة من نفسه، بل المدعو من الله، كما هرون أيضًا"
(عب 5: 4).
إن كان المدعو من الله هو الكاهن، إذن الكهنوت ليس للكل، ولا يدعيه كل أحد.
على أن الرغبة في تأميم الكهنوت مسألة قديمة، فصل فيها الله بعقوبة رادعة،
والله لا يتغير..