الرجاء لا يَخيب : للقديس يوحنّا الذهبي الفم
«نحنُ غيرُ ناظرين إلى الأشياء التي تُرى بل إلى التي لا تُرى، لأن التي تُرى وقتية، وأما التي لا تُرى فأبدية» (٢كورنثوس ٤: ١٨).
إذا سألتَ: كيف لي أن أرى الحقائق التي لا تُرى وألا أرى الحقائق الحاضرة؟
سأحاول أن أُقنعك انطلاقًا من أمور الحياة اليومية.
إليك مثال على ذلك: يسافر التاجر بالبحر ليبتاع البضاعة ويتحمل العواصف والأمواج العاتية وخطر الغرق وألف صعوبة أُخرى.
لكنه بعد العواصف سيبيع البضاعة ويغتني: تأتي العواصف أولا ويأتي البيع لاحقًا؛
مَن يترك المرفأ على متن الباخرة يرى الأمواج لكنه لا يرى الأرباح التي سيجنيها لكنه ينطلق على الرجاء.
إذا لم يتطلع التاجر أولا إلى الربح الذي لا يُرى ولا يمكن ان يلمسه بل يرجوه لن يواجه الراهن الذي يُرى.
كذلك الفلاح الذي يربط الثيران ويجرّ المحراث ويحفر ثلمًا عميقًا ويُلقي البذار في الأرض ويُنفق كل ماله ويتحمل البرد والصقيع والمطر ومصاعب أُخرى شتّى، وبعد تعبه ينتظر أن تمتلئ الحقول قمحا... هنا أيضا تأتي المشقّة أولا والربح ثانيًا.
الربح لا يُرى، اما المشقة فظاهرة ومرئية. الأول من مجال الرجاء، والثانية من مجال المحسوس. ومع ذلك، إن لم ينتظر هذا الرجل الربح البعيد الذي لا يراه بعيني جسده، لن يحرث الأرض ولن يُلقي البذار وحتى لن يخرج من بيته ليقوم بهذا العمل.
من الغرابة بمكان، في ما يختص بأمور الحياة، أن نتطلّع إلى الأشياء غير المنظورة قبل الأشياء المنظورة، وأن نتحمّل العناء والمشقّات قبل ان ننال الربح، وأن ننتظر النتائج السعيدة ونحن نتحمّل الصعوبات يدفعنا الرجاء.
والأغرب انه، في ما يخص الله، نبقى في الشك ونطلب المكافأة قبل ان نتكبد العناء ونظهر أكثر هزالة من الفلاح والبحّار. بالحقيقة نحن أكثر هزالة منهم بخصوص أمر بغاية الأهمية.
ما هو؟ هؤلاء لا يمكن ان يتأكدوا ابدًا من نتيجة عملهم بسبب كل الأمور غير المتوَقعة التي يصادفونها، ومع ذلك لا يتراجعون.
وأنت بالعكس عندك تأكيد انك ستصل إلى نتيجة، وانك ستنال الربح، وان الذي زرع التقوى وتعب سينال المكافأة. هكذا قال بولس:
«نفتخر في الشدائد لعِلمنا أن الشدّة تلد الصبر، والصبر امتحان لنا، والامتحان يلد الرجاء، ورجاؤنا لا يخيب لأن الله سكب محبته في قلوبنا بالروح القدس الذي وهبه لنا» (رومية ٥: ٣-٥).