العذراء مريم إن حكت… دخل يوسف البيت مهمومّا
أجمل الذكريات، يوم كنت أجلس بقرب أمي العذراء مريم، وتخبرني ما تذكّره من أحداث مع ابنها يسوع المتأنّس، مفرحة كانت أم محزنة. أخبرتني أمي لأزداد تعلقاً بها، أخبرتني لتقرّب البعد بيني وبينها، لأن!”“الانسان عدو ما يجهل“.
وكنت أخاف أن تتوقف لأنه كان يغلب عليّ النعاس. اسمع واصغي وأقول كلمة أو جملة واحدة: أخبريني المزيد.
الإحصاء في بيت لحم
دخل يوسف البيت مهمومّا
– فقلت له ما بك؟
– ألم تسمعي ما أمر به أغسطوس قيصر؟
الإحصاء. كلّ في مسقط رأسه. علينا أن نذهب إلى بيت لحم اليهوديّة ونكتتب هناك، والزمن زمن شتاء، والولادة قريبة؟ إنّ حياتنا كلّها من صنع الله. ألم يقل الله لأبينا أبراهيم “سر أمامي وكن كاملاً، وأنا أريك الأرض حيث يجب أن تذهب”؟ حضّري فقط ما هو ضروريّ للسفر، وغداً أو بعد غد نذهب إلى بيت لحم.
مريم، أليس من العار أن نخاف ونتردّد. الله أوحى لإبراهيم، وهو معنا، وأنتِ تحملينه في أحشائك. ألم يُفصح لك الملاك عن أسمه: عمّانوئيل، الله معنا؟
سنذهب بدون تساؤل. وحيثما يريد الله سوف نكون. سنذهب غداً مطمئنّين. المسافة بعيدة، لذلك سننطلق مع طلوع الفجر، لنتحاشى الوصول ليلاً.
– أنا هنا بقربك، باقٍ أسمعك ولا أقوم بأيّ حركة خوفاً من أن تتوقفي وأُضيع الوقت سُداً.
– في الصباح الباكر، ودّعنا بيتنا وغلقنا الباب، وقلنا: “الروحة باليد والرجعة مش باليد متل ما الله بيريد”.
مشيت مسافة وعندما شعرت بالتعب، توقفنا لاستراحة قصيرة، وكنّا نصطحب معنا مركوبًا. ونزولاً عند رغبة يوسف، إمتطيت الحمار. توقفنا مرّات كثيرة واسترحنا، وأستراح الحمار معنا. توقفنا مرّة لتناول قليل من الطعام، وقدّمنا طعاماً للحمار أيضاً من (الشعير).
وكان يوسف يسألني طوال الطريق: “هل أنت منزعجة ؟ تحدثنا، ونحن يهود، عن جلاء بني إسرائيل، وكيف كانوا يتركون بيوتهم وأرضهم ويسيرون كبارًا وصغارًا إلى أرض غريبة أيّاماً وأيّاماً، والجنود من ورائهم يمنعونهم من العودة إلى أرضهم. وكانوا يستريحون ساعة يشاء ذلك العسكر السابي، لا ساعة يتعبون هم. نحن في الطريق إلى بيت لحم، مسقط رأس داود الملك ونحن من نسله. مُرجّعَين ما قيل في هذه المدينة. “بيت لحم ليستِ الصغيرة في مدن إسرائيل لأنّ منك يأتي المخلّص”. تحدثنا بكلّ ذلك، من أجل الحدّ من وحشة السفر. إلتقينا بأناسٍ مثلنا ذاهبين إلى بيت لحم، وآخرون راجعون إلى الناصرة. تذكرنا ما قال الكتاب عن بيت لحم، ولكنّنا لم ننتبه بأنّنا نذهب ليتم ما قيل في الكتاب المقدس. المخلّص معنا، في أحشاء أمّه.
– هل تريد أن أخبرك المزيد؟ ما أخبرتك إيّاه اليوم كافٍ؟
– لا بدّ من التوقّف، بحرز و أسف، فأنا أسمع وأعيش ما أسمع، ولكن أنتِ تتعبين لأنّك تعيشين الأحداث مرّتين وتعودين بالزمن إلى البعيد و تستحضرين الأحداث وكأنّها تجري اليوم، تنزلين من سمائك لتسيرين مجدّدًا على طرقات أرض أجدادك. هل تجدين مسكنًّا؟
– نعم، لك هناك مساكن عديدة شرط أن لا تغلقي الباب و تقولي مرّة ثانية: “الروحة بالايد و الرجعة منّا بالايد”.
البيت مشتاق، ونحن مشتاقون، لا تهجرينا.
عودي … عودي … عودي …