✥ المجمع المسكوني الأول ✥
هو أحد المجامع المسكونية السبعة
أيتها الكواكب المنيرة للقطب العقلي
أضيئوا منيرين بشعاعاتكم فكري على آريوس
إن آريوس قال أن الابن غريب من جوهر الآب فليكن هو غريباً ومنفياً من مجد الله الآب
إننا نعيد هذا العيد الحاضر لهذه العلة
وذلك لما أن ربنا يسوع المسيح لبس جسدنا
وفعل كل التدبير بحالٍ يحتجز نعتهُ وعاد إلى العرش الأبوي
فأراد الآباء القديسون أن يوضحوا أن ابن الله صار إنساناً بالحقيقة
وأنه صعد وهو إنسان تامٌ وإلهٌ تامٌ وجلس عن يمين العظمة في الأعالي
وأن مجمع الآباء القديسين هذا كرز به هكذا واعترف جهاراً أنه مساوٍ للآب في الجوهر والكرامة فلهذا السبب رتبوا بإلهام إلهي هذا العيد الحاضر بعد الصعود المجيد كأنهم تقدموا فرفعوا شأن مجمع آباء هذا مقدارهم الذين كرزوا به أعني أن هذا الصاعد بالجسد إله حقيقي وهو إنسان تامٌ بحسب الجسد.
أما هذا المجمع فصار على عهد قسطنطين الملك الكبير
في السنة العشرين من ملكه لأن هذا تملك أولاً في رومية لما كف الاضطهاد
وبعد ذلك بنى المدينة الكلية السعادة المسماة باسمه في السنة الخمسة آلاف والثمانمائة والثمانية والثلاثين لكون العالم حينئذٍ نشأت هرطقة آريوس
الذي كان منشأه من ليبيا وصار إلى الإسكندرية وتشرطن شماساً
من القديس بطرس الشهيد بطريرك الإسكندرية
فلكونه ابتدأ أن يجدف على ابن الله كارزاً جهاراً إنه مخلوق
وإنه صار من العدم وإنه بعيدٌ من الرتبة الإلهية
وإنه يقال له حكمة الله وقوته مجازاً خلافاً لزعم صاباليوس الملحد
القائل أن اللاهوت وجهٌ واحدٌ وأقنومٌ واحدٌ
فوقتاً ما يصير آباً وتارةً ابناً وقتاً روحاً قدساً
وفيما آريوس مجدف هكذا عزله عن الكهنوت بطرس العظيم
لما أبصر المسيح مثل طفلٍ على المذبح المقدس لابساً ثوباً مشقوقاً
وقائلاً أن آريوس قد شقهٌ.
ولكن اشيلاس الذي كان رئيس كهنة بعد بطرس على الإسكندرية
حلّ آريوس أيضاً على شرط أنه يرتجع عما كان يقوله ورسمهُ أيضاً قسيساً
وجعله قيماً على المدرسة فلما توفي اشيلاس صار الكسندروس
الذي لما وجد آريوس مجدفاً أشر من الأول أقصاهُ من البيعة وحطهُ بواسطة مجمع
وإنه كما قال ثاودوريطوس أنه اعتقد أن طبيعة المسيح متغيرة وأن الرب اتخذ جسداً خالياً من العقل والنفس هذا قذف أولاً وأما آريوس فإنه اقتاد إلى إلحاده كثيرين وكتب فاختص لذاته افسافيوس أسقف نيقوميدية وبافلينوس أسقف صور وافسافيوس أسقف قيسارية وغيرهم وتطاول على الكسندروس فأما الكسندروس فأنفذ إلى أصقاع الدنيا بأسرها مخبراً عن تجاديف آريوس وعن قطعه فانهض كثيرين إلى الانتقام منه.
فلما كانت الكنيسة منزعجة وغير ظاهر شفاء لهذه المجادلة الصائرة
عن الاعتقاد أرسل قسطنطين المعظم إلى جميع الدنيا مركبات ملوكية
وجمع الآباء الموجودين في نيقية وحضر هو بنفسه هناك
وحينئذٍ لما جلس كل الآباء وجلس هو لما طُلب منه ذلك
لكن ليس على كرسي ملوكي بل في مجلس وضيع الرتبة
ولما تخاطبوا عن جميع ما ينتسب إلى آريوس أوجبوا اللعنة عليه وعلى جميع المعتقدين باعتقاده وكرز هؤلاء الآباء القديسون بأن كلمة الله
هو مساوٍ للآب في الجوهر والكرامة وإنه أزلي مع الآب
ووضعوا دستور الأمانة المقدس وانتهوا به إلى عند (وبالروح القدس)
وأما الباقي فتممهُ المجمع الثاني وثبت أيضاً هذا المجمع الأول عيد الفصح
أعني متى يكون وكيف يجب أن نعيده وأنه لا يجب أن نعيد مع اليهود
كما كانت عادة سالفة ووضعوا عشرين قانوناً من أجمل التراتيب الكنائسية
وأما دستور الإيمان المقدس فأثبته الملك قسطنطين الكبير المعادل الرسل
آخر الكل وختمه بكتابة حمراء.
وكان بين هؤلاء الآباء القديسين رؤساء كهنة مئتان واثنان وثلاثون وكهنة
وشمامسة ورهبان ستة وثمانون فجملة الحاضرين كانوا ثلاثمائة وثمانية عشر
وأما مشاهيرهم فكانوا هؤلاء سلبسترس رئيس كهنة رومة وميطروفانيس القسطنطيني كان مريضاً فحضر هذان بوساطة نوابهما والكسندروس الإسكندري
مع اثناسيوس الكبير
لأنه كان في ذلك الوقت رئيس الشمامسة وافسطاثيوس الإنطاكي
ومكاريوس الأورشليمي والبار كوذروفيس الأسقف وبفنوتيوس المعترف
ونيقولاوس النابع الحيل وسبيريدونس تريميثوندس الذي هناك
طرح الفيلسوف وعمده لما أوضح له النور المثلث الشموس
وفي أواسط صيرورة هذا المجمع انتقل إلى الله
اثنان رؤساء كهنة فوضع قسطنطين المعظم
حد المجمع المقدس في تابوتيهما وختمهما باستيثاقٍ
فوجد ذلك الحد مختوماً وممضى منهما بكلمات الله التي لا يُلفظ بها.
فلما انقضى المجمع وكانت المدينة التي بناها قد كملت
استدعى قسطنطين الكبير جميع أولئك الرجال القديسون
فذهبوا معه بأجمعهم ولما صلوا ختموا وثبتوا أن هذه المدينة
كفؤ لأن تصير ملكة المدن وأوقفوها لأم الإله بأمر الملك
وهكذا توجه القديسون كل منهم إلى مكانه.
لكن قبل أن ينتقل قسطنطين الكبير إلى الله
لما كان يدبر الملك مع ابنه قسطنديوس
تقدم آريوس إلى الملك قائلاً أنه سيترك الجميع
ويريد أن يتحد مع كنيسة الله
فكتب إذاً تجاديفه في قرطاس وعلقها في عنقه على صدره
وكأنه خاضع للمجمع كان يضرب بيده على تلك الكلمات المكتوبة
في القرطاس ويقول إني أذعن لهؤلاء
فاقتنع الملك وأمر بطريرك القسطنطينية أن يقبل آريوس في الشركة الإلهية
وكان في ذلك الوقت بعد مطروفانيس البطريرك الكسندروس
الذي كان عارفاً برداءة مذهب الرجل فكان مشككاً به ومرتاباً
ومتضرعاً إلى الله أن يكشف له إن كان حسب إرادته يؤثر أن يشترك
مع آريوس فلما حضر الوقت الذي فيه وجب أن يقدس معه
صار مستمراً في الصلاة فأما آريوس فلما كان آتياً إلى الكنيسة
وهو عند عامود السوق مغصهُ جوفهُ فدخل إلى كنيفٍ مشاع
وهناك انفرز منبعجاً وقذف كل ما في باطنه وطرحهُ على أسفل
وتكبد رمي ما في جوفه مثل يوداس (يهوذا الاسخريوطي)
لأنه ساواه في تسليم الكلمة وشقّ كلمة الله من الجوهر الأبوي
فانشق وصودف مائتاً وعلى هذه الحال كنيسة الله انعتقت من أذيته.
فبشفاعات قديسيك الآباء الثلاثمائة والثمانية عشر المتوشحين بالله أيها المسيح إلهنا ارحمنا آمين.
⁜ مقدمة:
هو المجمع "المسكوني" الأول وليس المجمع الأول على العموم،
ذلك أن مجامع كنسية عدة إلتأمت في القرون الثلاثة الأولى لأهداف خاصة
وفي ظروف طارئة لبحث أمور معينة تهمّ الجميع.
غير أن ما يميز مجمع "نيقية"
(اسم المدينة التي عُقد فيها المجمع المسكوني الاول)
عمّا قبله هو أن المجامع الأولى "كانت أحداثا اكثر منها مؤسِسة"،
كما يقول الاب جورج فلورفسكي. وكان مجمع نيقية،
بالتالي، نموذجا للمجامع اللاحقة،
وذلك لأن إهتداء الإمبراطورية الرومانية جعل الظروف تتغير عما قبل،
فاستلزم وضع الكنيسة الجديد عملا مسكونيا هو بالحقيقة
موجود وأصيل في الكنيسة ولكنه بان بشكل مرئي اكثر.
⁜ الدعوة للمجمع:
اختلفت الآراء حول تحديد من هو صاحب المبادرة لعقد المجمع المسكوني الأول، وتنوعت حول مَنْ رئسه. غير أن الأمر الذي لا ريب فيه هو أنه عُقد في نيقية في تركيا الحالية ورئسه اسقف ارثوذكسي
(ربما يكون: أوسيوس اسقف قرطبة، او افسافيوس اسقف انطاكية)،
وأن الإمبراطور قسطنطين الكبير حضر افتتاحه.
اول ما يَلفت نظر الباحثين هو أن علامات الاضطهادات – التي هدأت –
كانت ظاهرة جلياً على أجساد معظم الآباء الذين أتو من كنائس العالم ليشهدوا للمسيح الحي والغالب على الدوام.
فأعضاؤهم المشوّهة او المبتورة وآثار الجروح والضرب والجلدات
شهادة على أن الإيمان الحيّ الذي دونوه في نيقية كان محفوظا
في قلوبهم وعقولهم ومكتوبا على صدر وصبر أجسادهم.
ولا يُخفى على أحد أن هذه الآلام بقيت – وسوف تبقى –
رفيقة القدّيسين الشاهدين، ولعل أبرز شهادة عليها هي أن الشمَّاس اثناسيوس،
الذي رافق الاسقف ألكسندروس الإسكندري الى المجمع كان بطل نيقية،
نُفي بعد تَرأسه سدّة البطريركية في الإسكندرية خمس مرات،
وبقي خارج كنيسته ما يزيد على العشرين سنة.
⁜ إلتآم المجمع:
بدأ مجمع نيقية جلساته في ال 20 من أيار عام 325 حضره حوالى ال318 أُسقف معظمهم من الشرق
(يعود عدد الأساقفة ال 318 إلى ما بعد السنة 360, وربما وصلنا تأثرا
ب"غلمان ابراهيم المتمرنين", راجع: تكوين 14: 14).
اهم ما حققه هذا المجمع هو أنه دان بدعة كاهن ليبي عاش في الإسكندرية
أُسمه آريوس الذي،تتلمذ على لوقيانوس الانطاكي.
أنكر آريوس ألوهية الإبن فأعتقد بأنه كان هناك وقت لم يكن الإبن موجودا فيه،
وأعتبره رفيعا بين مخلوقات الله ومِنْ صُنْعِهِ،
كما أن الروح القدس من صُنْعِ الأبن ايضا.
يعتقد بعض المؤرخين أن الآباء في نيقية سدّوا آذانهم اشمئزازاً حال
سماعهم هذه الأقوال التجديفية،
وأكتفوا ببعض العيِّنات المقروءة من رسالة آريوس "المثالية" للحُكْم عليه.
⁜ أعمال وقوانين المجمع:
دحض الآباء بدعة آريوس وشهدوا للإيمان المستقيم،
فاعترفوا بأن المسيح إله حقيقي
وهو وحده يستطيع أن يفتح للإنسان طريق الاتحاد به،
فلو كان يسوع أحد المخلوقات – كما إدَّعى آريوس –
لاستحال عليه أن يخلّص العالم وتاليا أن يوصله الى غاية تدبير الله الآب،
وأعني التأله.
وَضعَ الآباء في نيقية دستور الإيمان الذي نتلوه في القدَّاس الإلهي
والعماد وغيرهما من الصلوات، ومما جاء فيه أن المسيح
"إله حقّ من إله حقّ، مولود غير مخلوق، مساوٍ للآب في الجوهر (هومووسيوس)".
في دستور نيقية إعلان إيمان واضح بالثالوث القدُّوس
وإنما من دون توسّع بعلاقة الأقانيم في ما بينها،
فالإبن الذي هو متميّز – حسب الأقنوم – عن أبيه
علّةِ الوحدة في الثالوث هو غير منفصل عن جوهره الإلهي.
إصطلاح "هومووسيوس omoousios" (مساوٍ للآب في الجوهر)
سببَ جدلاً كبيراً داخل المجمع وخارجه،
لأن أصحاب الرأي المشؤوم ومَنْ إنقاد الى ريائهم قالوا بأن العبارة غير كتابية،
واتّهموا الآباء بالوقوع ببدعة صاباليوس
(الذي اعتقد بإله واحد ذات أشكال ثلاثة)،
وذلك لأن عبارة "هومووسيوس" – في العالم اليوناني –
كانت تفيد "الكيان الواحد". الافلاطونية الحديثة و الغنوصية (العرفانية)
في القرن الثالث استعملتا اللفظة للدلالة على الكائن العاقل أو الشخص.
بيد أن آباء المجمع الذين دحضوا "شكلانية" صاباليوس
(اي الاعتقاد بإله واحد ذات أشكال ثلاثة)،
والذين هم، كما يقول القديس غريغوريوس النزينزي،
من أتباع طريق الصيادين – الرسل وليس طريقة الفلاسفة،
سَمَوا فوق الفلسفة البشرية وجميع مناهجها،
فعمّدوا لفظة "هومووسيوس" اي أنهم أعطوها معنى مسيحيا
مؤكدين أنها وإن لم توجد حرفيا في الكتاب المقدس إلاَّ أنها مستوحاة معنوياً منه.
وقد ورد في مجموعة الشرع الكنسي (ص 45)
أن القدس إيريناوس أسقف ليون إستعمله أربع مرَّات،
كما أن الشهيد بمفيليوس روى أن اوريجانس المعلم
إستعمله أيضاً بالمعنى ذاته الذي أراده له المجمع النيقاوي.
⁜ مما قاله آباء المجمع:
"بما أن الإبن هو من جوهر الآب، فالإبن إله كما أن الآب إله،
وتاليا يجب القول إن المسيح هو من الجوهر الواحد مع الآب.
وضع مجمع نيقية تحديداً في تعيين تاريخ عيد الفصح،
فأقرّ القاعدة التي كانت كنيسة الإسكندرية تحتفل بموجبها بالعيد،
وهي التي تجعل عيد الفصح يقع بعد أول بدر بعد الاعتدال الربيعي في 21 آذار.
كما عني المجمع بتنظيم الكنيسة الإداري فسنَّ عشرين قانونا،
منها تثبيت رفعة مكان كَراسٍ ثلاثة كبرى وهي رومية والإسكندرية وأنطاكية (قانون 6)، وقرر أن يحتل كرسي أُورشليم مكانة الشرف الرابعة على أن يبقى خاضعا لمتروبوليت قيصرية فلسطين.
لم يأتِ مجمع نيقية على ذكر القسطنطينية
لأن مدينتها دُشنت بعد المجمع بخمس سنوات.