لم يكن هناك من يساعدني في إعداد القربان ،
فالكنيسة ناشئة صغيرة ، فلا خدام ، ولا شمامسة ،
ولا مبنى كنيسة بل مكان مستأجر ،
ولهذا أعددت مكاناً بالمنزل خصصته للقداسات ،
وكنت أتمتع ببركة عمل القربان والحمل وحدي .
جائتني سيدة شابة وبيدها ختم قربان قدمته لي قائلة :
( هذا الختم لم يعد له مكان بمنزلي يا أبونا ،
أنت تتعب في عمل القربان فهو لك ، أنت تستحقه ) .
أشكرك عزيزتي ، إنه ختم دقيق الصنع ، إنه تحفة فنية .
ردت بمحبة عهدتها فيها :
( أنت تستحقه يا أبانا ، لا يحمل هذا الختم إلا من أحب القربان وتعب في عمله ،
دعني أحكي لك قصته ) ...
كان أبونا ...
كاهن قريتنا يحب القداسات جدًا ، وفي شيخوخته لم يسترق الراحة رغم كهولته ووهن صحته ،
فراح يعد الحمل بنفسه للقداسات بعد أن إمتنع الراهب أن يعده متعللاً بذات السبب ،
فقد كان شيخاً متقدم في السن أيضاً ، فما كان على أبونا إلا أن يستيقظ مبكراً
ويقوم بالعمل مصلياً مزاميره مستعيناً بعون القدير ، ومؤازرته ،
وفي يوم ، وبينما هو يصلي وبيده ختم القربان هذا يختم به الحمل ،
طرق الباب بطرقات متلاحقة لاهفة شديدة ، فتح بابه مستغرباً
من يأتيه في هذا الوقت المبكر من فجر النهار ،
ولماذا التلهف والطرق الشديد ، لابد أنه أمر خطير !! ،
وما ان فتح الباب حتى إنعقد لسانه من هول المفاجأة !!
لقد كان الطارق هو جاره المشلول منذ سنوات طويلة ،
والذي إعتاد أبونا أن يزوره ليقدم له التناول ، كان طريح الفراش فإذا به الآن يقف على قدميه
وكله حيوية ، تعانقا طويلاً ، وإمتزجت دموعهما فرحاً ،
فيا لها من مفاجأة غير متوقعه بالمرة ، ماذا حدث ؟
تساءل الكاهن الوقور بعد أن هدأ قليلاً من هول المفاجأة .
لقد كنت راقداً على فراشي المعتاد لسنوات كما تعلم يا أبي ،
رد الرجل بين دموعه ، كنت بين الصحوة والنوم ، فإذا بالسيد المسيح له المجد واقف أمامي
في صورة نورانية جميلة أضاءت ظلام حجرتي ، ربت على ساقيا المشلولتين بيده ،
أحسست يده الإلهية تسري على ساقي المشلولة بعد أن فقدت الإحساس بها سنوات طوال ،
وقال لي بصوت هامس حلو
( قم إنهض من فراشك ، لقد إكتملت سنوات تجربتك ، أنت الآن معاف صحيح ) ،
وكأن كلماته الإلهية أمر أطاعته خلايا قدمي وأعصابي المشلولة ،
فوجدت نفسي واقفاً بقدمي على الأرض غير مصدق نفسي !! ،
مشيت وراء السيد وهو يغادر حجرتى :
لا ، لا ، لا تتركني يا سيدي ، أرجوك أن تبقى معي ،
أنت حلو جميل وكم أشتاق أن أظل ناظراً وجهك الإلهي عمري كله ،
رد يسوع :
( حبيبي ، دعني أمضي الآن ، عندي زيارة لأبونا ... ، إنه يتعب في عمل القربان ،
دعني أذهب لأساعده .... ) ،
وهنا قفز الذي كان مشلولاً ، صارخاً :
" أبونا ، يسوع الآن معك بالداخل يساعدك في عمل القربان ،
أنا أثق فيما أقول ، أتركك الآن معه ، سلام يا أبي ... "
نظرت إلى السيدة الشابة ويدها ممدوده تقدم " ختم القربان لي " ،
هذا ختم قربان جدي أبونا ...
خذه عندك يا أبي ، أنت أولى به ، فيسوع ختم به قربان جدي ...
وهو اليوم معك... أنا لا أشك مطلقاً أنه معك .