العائلة
العائلة، في مقاربتنا المسيحيّة،
(وهي المقاربة التي تهمّنا في هذه الزاوية)، هي نواة الكنيسة أو هي الكنيسة التي في البيت. هذا التوصيف يجد أساسه، عندنا، في الكتاب المقدّس وفكر الآباء.
فبين التحيّات التي يبعث بها بولس الرسول إلى أهل كورنثوس، في ختام رسالته الأولى، سلامٌ من كنيستَي أكيلا وبريسيلا المنزليّتَين، يقول: "... يُسَلّم عليكم في الربّ كثيراً أكيلا وبريسكلا مع الكنيسة التي في بيتهما" (1 كور 16/19). وفي ختام رسالته إلى أهل كولوسي يُوصيهم أن يسلّموا على نِمفاس والكنيسة التي في بيته، يقول:
"سَلِّموا على الإخوة الذين في لاودكيّة وعلى نمفاس وعلى الكنيسة التي في بيته". (كولوسي 4/15).
هذا كتابيًّا، أمّا آبائيًّا فيدعو القدّيسُ يوحنا الذهبيّ الفم العائلة "كنيسة صغيرة". هكذا، إذا، تتكشّف لنا العلاقة الجدليّة بين العائلة والكنيسة. فالعائلة المسيحيَّة هي ضمانة للكنيسة أساسيّة، وهي، بآن معًا، تثبتُ في كَنَفِ الكنيسة وتَتقدّس.
ينتج من هذا أنّ العائلة هي همزة الوصل الأولى بين الأولاد والكنيسة، أو هكذا ينبغي أن تكون. إنّها، بتعبير آخر، المطلّ الأوّل للأولاد على كنيستهم، أو هي المختبر الأوّل الذي فيه يختبر الأولاد حياة الكنيسة أو "الحياة في المسيح" على حدّ تسمية نقولا كابازيلاس لها. لذا كان على الأهل أن يَعُوا جيّداً أهميّة الدور الذي عليهم القيام به، ألا وهو ربط أولادهم بحياة الكنيسة، وهو الدور الذي لا يستطيع أحد أن يَنُوبَ فيه عنهم، بل لا يحقّ لهم أن يَكلُوه لأحد سواهم (طبعاً إلاّ في حالات الضرورة القصوى).
إنّه لَمِنَ العافية الروحيّة للأولاد أن يعتادوا على ارتياد الكنيسة بمعيّة ذويهم، فمن حسنات هذه العادة أنّها تمنح الأولاد سلامةً نفسيّة لا تُعادِ لُها سلامةٌ أخرى. كما أنّه من دواعي العافية الروحيّة للوالدين أيضًا أن يعتادا على اصطحاب أولادهما إلى الكنيسة، عملاً بقول النبيّ إشعياء: "هاءنذا والأولاد الذين اعطانيهم الله..." (إش 8/18)
أو بما يقوله يشوع: أمّا أنا وبيتي فنعبدُ الربّ" (يش 24/15). وقد دَلّت الخبرةُ، بل الخبرات، على أنّ الولد الذي لم ينشأ على اصطحاب أبويه له إلى الكنيسة لا يتعلّق بالكنيسة، وإن تعلَّق بها فلفترة زمنيّة محدودة ثمّ ينقطع.
هكذا "ينشأ الجميع معًا على حسن العبادة"، وتغدو الكنيسة محور حياة العائلة وسِياجَها بآن.
إنّنا ندعو المتزوّجين حديثاً إلى أن يُلوذُوا بالكنيسة ويحيَوا في كنفها، لأنّها هي التي تحفظهم وتصونهم من كلّ ضرر. وهي التي تثبّت أُسس البيوت التي هم مُزمعون أن يبنوها، فلا تعبث بها رياح التجارب وتبقى في منأى عن عثرات الزمان. إنّ تثبيت العائلة المسيحيّة على صخرة الإيمان، وتحصينها ضدّ رياح التجارب- وما أكثرها- لأَمرٌ بالغ الأهميّة وبالغ الضرورة، لتتمكّن هذه العائلة من أن تكون فعلاً ما هي مدعوّة إلى أن تكونه، أي لتكون، في محيطها، نواة شهادة ليسوع المسيح الذي تأسَّست على اسمه، وخميرة تقديس تقدّس ما حولها بالروح القدس الذي تَقَدّست به.
وبعد، كثيراً ما سمعنا هذا القول يتردّد على أسماعنا: "أعطني بيتاً سعيداً وخذ وطناً سعيداً". أمّا في هذا المَقام فنقول: "أعطني بيتاً مثبّتاً على صخرة الإيمان وخُذ كنيسة حيَّة".