تعلمت درسا من الغربان
(قصة حقيقية طريفة )
فى يوم من أيام طفولتى المبكرة إصطدت غرابا بنبله . وأمسكت به وهو حى . ولم أعرف بعد ذلك ماذا أفعل به .
فلحم الغراب لا يؤكل . وكذلك لم أكن أعرف كيف أقوم بعملية تحنيطه للاحتفاظ به محنطا .
خطرت على بالى فكرة غريبة . صعدت به الى سطح منزلنا بالقرية . وربطته من رجليه بطرف حبل. ثم.ربطت الطرف الثانى من الحبل فى قطعة خشب كانت على سطح المنزل وتركته ونزلت.
بدأ الغراب ينعق . وسمعت نعيقه الغربان .
هل كان يصرخ من الألم ؟ أم كان يسترحمنى لأطلق سراحه ؟ أم كان يطلب النجدة من الغربان ؟ لا أعلم .
ولكن ما حدث كان شيئا ملفتا للنظر .
ظهر فى الأفق غراب . وتلاه غراب ثانى . وثالث . وعاشر . وعشرين . واستمروا يتزايدون .
وكانوا يحومون فوقه فى الجو وينعقون .
وبين وقت وآخر كان يهبط اليه واحد منهم ثم يطير مره آخرى .وكأنه كان يستكشف الأمر .
و كانت مظاهرة كبيرة وغاضبة من الغربان .
هبوا كلهم هبة واحدة لنجدة الغراب الأسير . وكانوا على إستعداد ليفعلوا أى شيىء من أجل انقاذه.
وهكذا وجدت نفسى أمام موقف جديد . فيه حب . فيه تعاون . فيه تضحيه .. وايضا فيه ثورة على الانسان، وإصرار على إنقاذ الغراب الأسير منه .
ولم أعرف ماذا أفعل أمام هذه " الثورة الغرابية " ، وأمام هذا النعيق والضجيج العالى الذى أحدثته الغربان . وكيف أفض هذا التجمع الذى كان يزداد عددا فى كل لحظة .
ولاحظت أن " ثورة الغربان" قد لفتت نظر أسرتى والأسرة التى كانت تعيش معنا فى بيت العائله الكبير ، وأسر الجيران أيضا .
ولم أستطع أو أجرؤعلى الصعود إلي الغراب الأسير لإطلق سراحه .
أخيرا قفزت إلى ذهنى فكرة .
ذهبت إلى غرفة النوم. وأخذت ملاءة سرير خفيفة ، ولففتها على جسمى ، واختبأت فيها . ولم أظهر من جسمى شيئا . وأخذت معى أيضا " مقصّا ".
وصعدت الى سطح المنزل .وقمت بقص الحبل من رجل الغراب. وتركته يطير دون أن أتحرك أنا .
وما كاد الغراب يطير حتى إلتف حوله الغربان فى الجو .وأحاطوا به من كل جانب .
ربما لكى يزفّونه . وربما لكى يحرسونه خوفا من أسر جديد .
ثم بدأوا ينصرفون بعيدا .
وتوقفت مظاهرة الغربان، وهدأت ثورتهم.
ونزلت أنا من سطح البيت ملفوفا بالملاية خوفا من عودتهم للانتقام منّى
.
وإنتهت أزمتى مع الغربان . ولكن بعد أن تعلّمت منها درسا تمنيت أن يتعلم منه كثير من أبناء البشر ، وهو " العمل بروح الفريق" . وأن يهبوا جميعا لنجدة من يمر بأزمه و يحتاج إلى نجدة ، عندما تطحنه الأزمات .
ولكن الكثيرين من بنى الانسان يعيشون بمبدأ " وأنا مالى " . و"سيبنى فى حالى " و " ده ما يخصّنيش "
والمثل الشعبى الذى يقول :" المد اللى ما لكش فيه ما تحضرش كيله . يتغبر دقنك وتحتار فى شيله "
بمعنى أن ما لا يتعلق بك لا تهتم به .
منتهى الأنانية . وهى لا توجد فى عالم الغربان .
والعاقل هو من يتعلم من كل ما يلتقى به فى حياته ، حتى لو جاءه الدرس من غراب .