هل يكفينا تبادل المحبة للعيش؟
روما
أحب الخريف وتساقط أوراقه فتختلف ألوان الشجر وتعيد الطبيعة ترتيب نفسها مستعدة لولادة جديدة!
وتنتظر الحياة بصمتٍ وانطواء. تنام كلها رجاء بحياة خالدة. تموت لكي تتفجر بعد فترة حياةً جديدة. فهكذا هي الأشجار والطبيعة والحياة.
تسقط الأوراق أرضاً لتتمازج مع الأوراق الميتة ونمضي نحو الشتاء. يبدو ان الحياة تختفي فجأةً دون ادراكٍ منا. تختفي. تموت لكي تعيش من جديد. ستنبثق عن هذه الأوراق الميتة الحياة
ومنها دافع لنا لنتجدد.
نعيش في عصر الأمور المؤقتة.
يقول البابا فرنسيس:
“يطوق الإنسان الى أن يُحب ويُحَب. لا تعزز ثقافة المؤقت حريتنا بل تحرمنا من ملاذنا الحقيقي والثوابت الحقيقية! لا أعرف إن كانت تسرق أيضاً من حياة الفرد الرغبة في بناء الحياة.
لا تكتفوا بالأمور الصغيرة! طوقوا الى السعادة، تحلوا بالشجاعة للخروج من ذواتكم وتقرير مصيركم بالكامل مع يسوع.”
تُحدثني الاوراق المتساقطة عن ما هو مؤقت وزائل أما انا فاحلم بالأبدية وتُنذرني بعدم التوجه نحو ما لا يُفيد ولا طائل منه.
ماذا لو كنت اليوم الى جانب عجوز في المستشفى. لا يمشي. لا يعمل دماغه بصورة طبيعية، ضائع بين جدران المستشفى البيضاء. يتساءل الأطباء إن كان من الضروري الاستثمار به بعد؟
إن التقدم في السن هو كترك الأوراق تسقط أرضاً على الرغم من كونها لا تزال على قيد الحياة. يبدو للناس انها ما عادت لتنفع.
أتساءل حول معنى الحياة. هل تستحق العيش هكذا، دون فائدة منها؟
هل فقط نعيش إن كنا نقوم بعمل ملموس؟
إن كنا لا ننفع لأمر هل هذا يعني أننا لا ننفع لشئ؟
هل يكفينا تبادل المحبة للعيش؟
ألا تكفي الابتسامة للرد على الحنان الذي نتلقاه؟
أخشى مجتمع يُحرك أشجاره لكي تسقط عنها الأوراق الصفراء فتخسر الحياة ببطء وتُجرد من جذورها ومصدر دعمها.
أخاف من هز الغصون ليقع ما هو قديم، ما لا نحب، ما يُزعجنا وما يتطلب منا وقتاً ومالاً.
يؤثر فيّ الطاعن في السن. هو قليل الكلام إلا أن نظرته كلها نور وضحكته كلها حياة. يعرف الإجابة عن أسئلة واضحة ويشرع في بعض الاحيان في التحدث بأمور لا افهمها إلا أن ذلك ليس مهم.
في عينَيه حبٌ كثير لدرجة أنه يبدو لي أبدياً وثانية الى جانبه تُساوي في نظري الحياة كلها.
قد يبدو أنه لا يقدم شئ إلا أنه يُقدم كل شئ ففي ضحكته ونظرته حياة ونور كفيل بإضاءة كل الظلمات. نورٌ يُضيء مشوار الحياة. نور يفتح الباب للرجاء وسط التجارب.
أحب النظر إليه عندما لا تسير الأمور على أحسن ما يُرام وعندما يبدو ان الحياة لا معنى لها.
أحب النظر إليه لأنني على ثقة انه سينظر إليّ أيضاً ويقويني ويدعوني الى عدم الخوف لأن الحياة تستحق ولأن اللّه معي ويرشدني.
يدعوني الى الثقة بالخطط التي يرسمها اللّه لي والتي قد لا أفهمها ويؤكد لي ان حياتي بين يدَي اللّه.
وفي هذا الإطار، لا يسعني سوى أن اذكر أمي مريم التي ترشدنا على طريق تعليم الذات. إن مريم مرشدتنا فمن من نخاف؟ هي تقودنا وتساعدنا لاكتشاف باطن حياتنا الداخلية.
إن مريم أمنا ومثقفتنا في رجائنا. تثقف مريم قلبي وتعطيني الرجاء وسط الشك الذي يمتلكني. تساعدني على تحمل مشاكلي وهواجسي.
أبحث، مرات عديدة، عن حلول. أود أن اتعلم كيف أثق حتى ولو لم توجد الحلول لجميع المشاكل. إن التأمل بمريم يساعدني على الوثوق أكثر فأكثر بقدرتها . فأنا أقدم لها حياتي.
مريم ليست رائعة وملكة وطاهرة وعذراء نقية فحسب إنما هي قبل كل شئ أُمٌ . لازمها يوحنا منذ ذاك اليوم أمام الصليب واهتم بها. كان محظوظاً بملازمة مريم منذ ذلك الحين.
تمكن من اصطحاب مريم معه بفضل وفائه على اقدام الصليب. كان في المكان والوقت المناسبَين!
أنا ايضاً أريد أن أكون وفياً عند أقدام الصليب لكي اصطحب مريم معي والاستراحة بين احضانها والاستماع الى كلماتها العذبة.
أود أن أكون في اللحظة المناسبة لأنني أعرف أنها وحدها قادرة على تخفيف اضطراب نفسي والحد من غضبي وتشجيعي في لحظات ضعفي.
فهي تقدم لي حبها الممتلئ رحمةً والى جانبها يتقلص الخوف ويتعزز الرجاء.