الحبل بمريم:
++++++++
ولئن كانت ولادة مريم بتدخّل من الله فإن الحبل بها كان بحسب ناموس الطبيعة،
أي إن الحبل بها جاء على أثر لقاء يواكيم وحنّة بالجسد، مثلهما مثل أي زوجين عاديين،
وأن ما ورثته عن أبيها وأمه، لجهة الطبيعة البشرية،
هو ما يرثه كل مولود عن أبويه، أي، بصورة خاصة، العبودية للموت والنزعة إلى الخطيئة
أي إلى صنع ما يخالف الله.
هذا الميل إلى الخطيئة هو بالذات ما عبّر عنه المرنّم في المزمور الخمسين حين قال إنه
"بالخطيئة ولدتني أمي".
هذه الحالة التي هي نصيبنا جميعاً لا ذنب لأحد منا فيه، بل هي الحالة التي ورثناها عن أدم وحوّاء
بعدما خطئا إلى الرب الإله وسقطا من الحالة التي كانا يتمتعان بها في الفردوس.
وهذا ما عبّر عنه الرسول بولس حين قال:
إنه "بإنسان واحد دخلت الخطيئة إلى العالم وبالخطيئة دخل الموت" (رومية12:5).
مريم، والدة الإله، إذ، هي واحدة منا ولا تختلف عنا في ما ورثناه عن أدم وحوّاء،
لذلك عندما سرّ الربّ الإله وارتضى أن يسكن فيها ويولد منه،
سرّ وارتضى أن يسكن، من خلال مريم، فينا جميعاً لأن مريم واحدة منا في الطبيعة البشرية
وفي الحالة التي صارت إليها الطبيعة البشرية.
مريم، بهذا المعنى، هي باكورة الخليقة الجديدة، حوّاء الجديدة، أمّنا جميع،
كما كانت حوّاء الأولى باكورة الخليقة العتيقة. ومريم أيضاً رمز الخليقة الجديدة.
نقول هذا لأننا نريد أن ننبّه إلى أن الرب يسوع المسيح وحده،
دون سائر البشر- بمن فيهم مريم- كان حرّاً من الموت ومن دون أي ميل إلى الخطيئة.
كما نلفت إلى أن مريم، والدة الإله، كانت طاهرة لا بسبب خلوّ الطبيعة البشرية التي اتخذتها
من أي نزعة إلى الخطيئة، بل لأنه، شخصي، كانت بارّة،
لا بل أبرّ أهل الأرض، زهرة البشرية بكل معنى الكلمة،
وكذلك لأن الروح القدس حلّ عليها وقوة العليّ ظلّلتها (لوقا35:1).
هذا هو موقف كنيستنا الأرثوذكسية.
وليس هذا هو موقف الكنيسة الكاثوليكية التي تدعي أن مريم، من لحظة الحبل به،
كانت حرّة من الموت ومن أي نزعة إلى الخطيئة،
تماماً كالرب يسوع المسيح نفسه له المجد.
أي أن مريم، بلغة الكنيسة الكاثوليكية، كانت حرّة من "الخطيئة الجدّية".
هذا هو مضمون عقيدة الحبل بلا دنس عند الكاثوليك،
التي أعلنت كعقيدة ملزمة، لأول مرة، بعدما كانت رأياً في الكنيسة،
في8 كانون الأوّل سنة 1854م.