شربل مخلوف وسراج الماء المشتعل… لَيْسَ سراجُ الماء هوَ الّذي اشتعلَ فأنار قلّاية شربل!!!
عندما أعطى رئيس الدير أمرَه “بتقنين” استعمال الزيت في الإنارة نظرًا لعدم توفّره، لم يكن الراهب شربل حاضرًا على المائدة.
عندما قرع الأب الياس المشمشاني ناقوس المائدة وقال: قرّرنا الليلي ما حدا يضوّي سراجو ويسهر، تانقدر نقوم، نصّ ليل، لصلاة الفرض. هادا أمر بترجّاكم ما حَدا يخالفو.
عندما عاد شربل من الفلاحة، وجد سراجه فارغًا من الزيت. فأخذه إلى الأب فرنسيس الكلارجي ليملأه، فامتعض الأخير وسأله أن يترك السراج ويعود إلى قلّايته.
لكنّ خادِمَي الدير، استغلّا الأمر، ليُجرِّبا شربل.
قال أحدُهُما: “ليش الريس بيقول للرهبان ما حدا يجرب شربل بالكلام اوغيرو، شربل فيه روح الله؟ شو يعني فيه روح الله؟ انا عندي طريقة اعرف كنو فيه روح الله. الفرصة ما بتتفوت”!
وهكذا كان. ملأا سراج شربل بالماء، وحملاه إليه، وأخذا يتسرّقان النظر، ليفهما سرّ شربل الّذي يسكنه روح الله.
أمّا شربل المتحرّق شوقًا إلى الصلاة، فقد سارع إلى إشعال سراجه، ليستغرق في صلاةٍ تجمعه بمعبوده الإلهيّ، وهو ساهٍ عن كلّ ما صنعَهُ الخادمان.
وكم كانت دهشتُهما عظيمةً عندَما شاهدا بِأُمّ العينِ سراجَهُ المملوءَ ماءً يتوهَّجُ مشتعلًا بنار تُنير قلّاية شربل وتلسع قلبيهما بنار الرهبة!
في الحقيقة، لم يشتعل سراجُ شربل إرضاءً لحشريّة الخادِمين، ولا عُصيانًا لأمرِ الرئيس، بل لأنَّ شربل نفسُهُ كانَ السراج الدائم الاشتعال.
لَيْسَ سراجُ الماء هوَ الّذي اشتعلَ فأنار قلّاية شربل وأضاءَ مُحيّاه، بل قلبُ شربِلَ الملتهبُ كعلّيقى موسى هوَ الّذي ازدادَ توقُّدًا وتوهُّجًا، حتّى جعل ماءَ السراج تشتعلُ!
هذا هو سرّ القداسة: هو نارُ الألوهة الّتي تستوطنَ قلبَ الإنسانَ فتجعله يفيضُ نارًا ونورًا. نارًا تنقّيهِ من الشوائب، ونورًا يُرشِدُ حامِلَهُ والآخرينَ سبيل السماء!