ما لاح في آفاق بيعة الله كوكبٌ اشرف
من مار مارون قدوة النساك الجزيل الشرف
من فاقَ بالبر جمع الابرار السلف والخلف
فأضحى منظراً لسكان السما ومعهم ائتلف
بدا كالكوكب منذ بزوغه بين الابكار
بل غدا علما لأهل الفضيلة حزب الابرار
برغت في الشرق شمس كماله تنير الأبصار
ضمن البيعة التي تجاهد ضد الاشرار
واغتذى بالفضل من سن الصبا في حال الرضاع
واقتبل الروح من ماء العماد ترسا للدفاع
وصان المواهب وبر عماده بحصن الاتضاع
فأغنى بيعة بناها الفادي وزادها اندفاع
ترعرع بالتقى والفضل والبر لبلوغ الكمال
وحاز بالقداسة قبل ان يبلغ الى سن الرجال
اخذا بالبحث عما يفيده من حسن الخلال
عند مولاه العزيز القويّ الفريد الجلال
فهداه الروح المهدي الملا الى سبل الامان
فهجر العالم ولبس الاسكيم زي الرهبان
انزوى منفرداً في جبل قورش وهناك استعان
بالبتول التي عبدُها الراجي بالتقوى يُصان
هيكل الشيطان هناك كرسه هيكلاً لله
وهزم منه أرواح السؤ فأضحى للصلاه
سكنه قليلاً يصارع ابليس الذي اضناه
ثم غادره من غير مأوى ليُرضي مولاه
فابتنى كوخاً صغيراً حقيراً يكابد فيه
بَرداً وحراً حباً بربه كي يرضيه
نابذاً عنه رونقَ الدنيا وما يُسليه
آخذاً طريقاً ضيقاً مناسباً رضى باريه
ولما تسامى علماً وعملاً بتلك الفضائل
وظهرت حياته الملائكية بين القبائل
وافى حماه من كل فج جمعٌ سائل
يرجو رشداً ليستأصل من لُبّه الرذائل
اليه تقاطرت جموع المؤمنين بايمان حميم
عندما بلغهم أعمال برّه وطُهره العظيم
فمنهم من أتى آخذاً عنه بضمير سليم
منهجَ التقوى وأصحبهُ الى أخدار النعيم
ومنهم من كان يطلب منه نور الإرشاد
فكان يَحبوهُ وعظاً مفيداً مملؤاً سداد
ومنهم من كان مُوعَباً قلبهُ شحاً وعناد
فعاد منفرجاً من قِبَل نصحه الى يوم المعاد
كم مشره أضحى قنوعاً عائشاً بسلام
وكم من مُتوانٍ أمسى نشيطاً بالحب التام
وكم من دنس جعله عفيفاً وللعفة إمام
ناصحاً لمن كان سالكاً في الدجا وديجور الظلام
كلًّ من أمَّه نبذ الرذائل بالقول والعمل
ولم يَخِب احدٌ من طلابه فاقداً الأمل
فكان يَرُدُهم الى طريق الهدى بالسرور والجذل
ويُفرج القلب لذي بالنفاق والشرور اندمل
لقد ضاهى الرسل في شفا المرضى وطرد الشياطين
بحول صلاته وقوة يمانه بالرب المعين
ظهّر الانفس من زؤان الكفر والفساد المشين
ولسائليه أضحى غوثاً ومرشداً لليقين
إشاعه برّه بلغت الى فم الذهب العظيم
فأهدى اليه رسالةً ضمنها نار حب حميم
يسأله الدعا عنه وأنه على الحب مقيم
وإن كرسيّه خطفه جوراً ذوو الرأي السقيم
وقد قضى نحبَهُ على هذا الحال السعيد حقاً
وارتقى مالكاً راحةَ الابكار في سماء البقا
ونال الاكليل المُهيّأ له أجراً مُحقا
لما كابده من شديد العنا في أرض الشقا
وجمع الاتقياء اغتنموا جسده كالكنز الفريد
وابتنوا هيكلاً جميلاً على اسمه مقام التعييد
في نواحي حماه شاطي العاصي كان التشييد
واخذت تجري معونات الشفا منه وتفيد
فيه اجتمعت من تلاميذه رسل أطهار
واخذ السُكنى بديره السامي ثمانمائة بار
يناضلون عن حق طبيعتي المسيح بتلك الأمصار
ومشيئتيه خلافاً لقوم أبدوا الإنكار
فابتدى إبليس يُهيّج ضدّهم المُبتدعين
لأنهم كانوا بصدق الإيمان كالدرِّ الثمين
وفضائلهم كان توضح برهم الامين
ولم يهابوا الملوك ورؤساء البدع ألمنشقين
فقام عليهم ساويرُ اللعين الباغي العنيد
مناقضاً برّهم بسخط وغضب وحقد ووعيد
وانتضى سيفه قاتلاً منه ثلاثمائة شهيد
ثم الخمسين الذين نالوا الاكليل المجيد
يا من قد سما الفضائل والفضل العال
وارتقى صاعداً مراقي الطهارة فائزاً بالامال
وقد ضاء كالشمس في افق السما بحسن الأعمال
عندما اصطفاه المولى المُلي خادمه الكمال
وعلا بفضله على أهل التُقى وذوي المفاخر
ورأى التقوى لمن يحويها خيرَ المتاجر
فصارَ منارةً ضاءت ما بين سبعِ المنائر
في بيت الرب يجلو نورُها غشاء البصائر
بمواهب الروح السبع اغتنى وأغنى العباد
يوماً فيوماً بمواصلتِه الصلاة والجهاد
يسهر ليله حارماً طرفه لذّة الرقاد
ملازماً الصوم ليُعطي مثالاً لقمع الاجساد
أنظر الى من أخذوا التلقيب باسمك عنوان
واقتفوا إثرك ومعروفون بك في كل مكان
شعبك وبنيك لا نُهملهم يا فخر لبنان
بل زدهم بما هم به وفيه بحفظ الايمان