تفحصي الأشياء بدقة، فقد بزغ فجر يوم جديد،
ليعلن موت الليل،
وصرخة الغلبة على شَفَتيه،
زحفتْ بواكير الصبح بهدوء وسكينة،
وظهرت تلوح في الأفق تباشيره.
تلاشت العتمة الدامسة تحت وطأة نور الشمس المنير،
فنور الشمس الساطع يتسلل بخيوطه الذهبيّة وسط الظلام،
بعد أنْ فقدت العتمة الدامسة كل قدرة،
وأظهرتْ عجزا شديدا،
وتوارت بعيدا خلف الأنظار.
لقد هوى الليل البهيم وتعثّرتْ خطواته،
فلم تعد له أيّة قائمة.
وهزم هزيمة منكرة،
ولن يقدر أن يجثم بظلّه الثقيل على صدركِ،
إنه أشبه بأفعى تلتهم أفعى أخرى.
إنّ هذا أمر لغريب، غريب جدا،
وضرب من ضروب الرفض،
وأنتِ في طريقكِ للخروج من أرض جللها سواد الموت،
من البرية التي غشتها أشواك اللعنة،
أنْ تبقي واجمة، مطرقة الرأس،
تسترسلي في الماضي وذكرياته،
لا تعرفي القيود التي شلت يديك،
ولا الشوكة التي في جنبكِ،
ولا تجدين وجه تفضيل بين الظلمة الحالكة، التي تتعثر فيها الخطوات،
التي تذر برؤوسها البشعة، لترعب البشر،
وبين النور، الذي يخطف بلمعانه الأبصار.
ما يزيد من استيائي وشقائي،
هو أنْ تتركي الحبل على الغارب،
أنْ ترغي وتزبدي مثل البحر الهائج،
أنْ تلازمي في وسط، الطريق من دون سير،
أو تغمضي عينيك، وأنتِ تجرين،
لأنّ البقاء في الوسط خطر، وأي ما خطر،
فتعجزي عن السير في موكب النصرة، وفي ركب الحياة،
حتى ترجعي الميل في ذلك إلى أمر عرضي طارئ،
بغية أنْ تحيي على هذه الحالة المستهجنة،
مثقلة القلب،
أنْ تلتفتي من حواليكِ بين الحين والآخر،
وتختلقي حججا واهية تفتقر إلى عمق.
وتذهبي بين الصحوة والسكرة،
أنْ تنظري ما وراء السور،
أنْ تتذكري الليل الحالك الذي حول الحياة إلى جحيم لا يطاق،
فلا تتمكني من أنْ تغسلي نفسكِ من الشوائب،
ولا أنْ تحرقي الحثالة،
فتتركي الحبل على الغارب،
تتركي دمزعا وبؤسا حولكِ،
وتدعي المخاوف تسيطر عليكِ وتكبلكِ بأصفاد.
أخشى أنْ تضيعي الوقت سدى،
أنْ تقامري بحياتكِ،
وأنْ تضعي نفسكِ بين يديكِ،
أو أنْ يدخل في روعكِ الخوف،
أنْ تعيش في مخيلتكِ، فكرة واحدة متهرئة عاف عليها الزمن،
ألا وهي فكرة الأمس البعيد.
حتى تبقى حياتكِ بأسرها، رهينة لأعمال الظلمة،
فتكوني مكبلة بالأغلال والمتاعب والمشقات،
ولا تتمكني من دحر قوة العدو الغاشم.
وأنْ لا يعود النور إلى عينيكِ لكي يكحلهما،
ليحرق أدوات الظلمة والشعوذة،
ويدوس على كبرياء الموت.