كُنْتُ مستعبداً


كُنْتُ مستعبدا كنتُ مقيداً، مستسلما صاغرا، مسلوب الإرادة، مشتت الأفكار، محطم الضمير، كنتُ مبيعا للخطيئة بجملتي، للأنانية، للكبرياء، للتجربة، أحيا على الهامش، وإنْ كنت أتقدم خطوة، خطوة، وكأنّي ألتمس طريقا خفية لا يعرفها أحد غير، لينتهي بيَ المطاف على ما نطقتُ به. أغلق ذهني عن قبول الحقّ، كنتُ أرزح تحت عبودية غاشمة، أدفن رأسي في رمال الأشياء، وأخدع نفسي أكثر مما يجب، أقلب الأمور رأسا على عقب. أجهد نفسي لأرفع يدي إلى صدري، أحفر لي قبرا هربا من نفسي، أتقوقع على ذاتي، أعيش من أجل الموت، الموت في العالم، الموت في ملذاته، إذ كان يخيم عليّ شعور بالضياع. وعلى هذا النحو انقضت الأيّام. ومعها السنوات، وأنا أسحق تحت سنابكِ الحياة. لقد أصبحت الدنيا عبئا ثقيلا، وأزجّ نفسي في وضع أقل ما يمكن القول فيه إنّه صراع مع الضمير. وعبثا أو العبث نفسه، انقطع حبل المسرة عني، أشعر ما كنتُ أقف عليه قد انهار، مغلقا على نفسي في عالم بلا هدفٍ. مستعبدا من هامة رأسي حتى أخمص قدميّ، واقعا بين أنياب الأسد، بين حجري رحى، مدفوعا إلى الموت. أقدم رجلا، وأؤخر اخرى، ابحث عن أيّ اتجاه أسير فيه، يا لي من مخلوق بائس، فأنا في دوامة من الحيرة والانزعاج، كنتُ مثل دنّ نبيذ الذي لم يحكم إغلاقه ففسد وتحوا خلا. كأنّي لا أعرف كيف أعيش، رقيقا في سوق النخاسة، مغلوبا على أمري، تهب رياح الحزن والضيق عليّ. هذه حماقة أخرى، أتظاهر بما لستُ عليه، لكني أفتقر إلى عنصر الرضا والاكتفاء، فأغرف من ملذات الحياة الشيء الكثير، وع ذلك أبقى أشكو من الظمأ. أحاول أنْ ألتقط أنفاسي الضيقة، وقعتُ فريسة لطبيعة خاطئة، طبيعة تسعى بي إلى الشر. طبيعة تتحالف مع الشر مع إبليس، طبيعة لا تعرف الشبع. طبيعة لا تقيم وزنا للاستقامة والفضيلة، طبيعة تعظم الأهداف الخارجية من تدين ودين، طبيعة تحارب لكي تكسب، طبيعة لا تحتج على الأفعال الخاطئة، طبيعة تعيش على فكرة تتسم بالغباء، طبيعة تلاقي الكبوة بعد الكبوة، طبيعة تضرب على بيادر الألم الملطخة بالدماء، طبيعة تصارع البشر بدلا من قوات الظلمة، طبيعة غارقة في ظلمة الجهل والخطيئة، طبيعة ينبع سلوكها من كبرياء شديدة.