التعاليم المضلة!!!
لا يمكن أنْ تبني تعليما صادقا، حقيقيا من كلمات غامضة، تخرج متلعثمة وغير واضحة، تشبه الذباب الذي يجتمع حول الجرح، ومن ثم تتفوه بما لا ينبغي أنْ تقوله، لا في السر ولا في العلن. أو أنْ تمسك بجمجمة قرد لتعلن أنّها صورة طبق الأصل لرجل أسود. كما لا يمكن أنْ ترعى النعجة مع حملها في الغاب، في ظلال الفوضى المتفشية القائمة هناك، حيث تسود شريعة الغابة المتهرئة بأكملها على المشهد، وتترك الخوف والرعب يتراكمان بعضهما على بعض.
تلك ما هي الشريعة التي تسبب في موت أبرياء الناس، لا تكشف مدى اتساع الخطايا وخطورتهن، ولا توجد حاجزا بين الله والإنسان، بل تأخذ بفكرالبقاء لمن هو أفضل أو أصلح، وحيث تنتشر تعاليم مضلة مبهمة بهيمية، تخمد نار المحبة، لا تتفق مع الأخلاق ولا مع الضمير، ولا مع مبادئ الحياة، لا من قريب ولا من بعيد، إذ هي تقوم على عنصر إرهاق الدماء، لتترك الحرب حصادا من الخراب، وقتلى لا عدد لهم. فهل يمكن للمرء أنْ يكتفي باجابات عقلية وينتهي به الأمر إلى تصديق ذلك، لكي يقرع أبواب السكينة، حيث يختلط الحابل بالنابل، ويضرب الشر بسيفه، وهو يرى طريقا مخضبا بالدم، وحيث ظلال سوداء تحجب الطريق عن العين.
ما لم يتغير الجو الأخلاقي، وتنفتح قلوب الناس واذهانهم للكلمة، تبقى التعاليم المضلة مثل سيف مصلت على الرقاب، لا يرحم. ليس المهم أنْ يكتشف المرء، ما هو حقيقي، وما هو مضلل، ما حق وما هو باطل، لكن الأمر المحزن هو، أنْ يتعدى ذلك بكثير. هو أنْ تعيش تلك التعاليم سرا خافيا في خضم الأديان المضطربة، حيث يشق التدين طريقه إلى عدد كبير من الناس، فينجرف أصحاب الضلالات الكبيرة إلى استخدام القوة المفرطة، يقرعون بالسوط، ويضربون بالسيف لكي تقبل تلك التعاليم الباطلة عنوة، وبحد السيف، ويستسلم أولئك لها صاغرين. وهم لا ناقة لهم وجمل في ذلك الاتجاه، لكي يقوموا بتهديد الآخرين، وإرغامهم على قبول تلك التعاليم الباطلة والأضاليل الباطلة، تحت تهديد القوة، والتلويح بالمطرقة، أو بالذبح.
هناك تعاليم فاسدة همجية، غارقة في ظلمة الجهل والخطيئة حتى الهامة، تفوح منها رائحة اليأس. هي تهاجم كل من يجترئ على رفضها أو تسفيهها، رغم أنّ غايتها هي أنْ توقظ نار الكره والحقد في القلب وتهيج إلى أفعال الشر. تعاليم خرجتْ من رحم الظلام، تتلمس سبيلها إلى إطفاء النور. هي لا تعرف الحكمة طريقا إليها، تلون الحياة بألوان قاتمة يائسة، لا تنتسب إلى الأخلاق، ولا إلى البشرية بصلة ما، لأنّها باطلة ومضللة تهدم كل مفاهيم المعرفة والحكمة، تحط من قدر كرامة الإنسان، تتغطى بأوراق التوت، تقف وجها لوجه أمام أحجية محيرة، فهي مثل العنكبوت تفرز خيوطها، تضع صورة باهتة مزيفة، لكي تضلل الناس. تعاليم ضاع الفاصل فيها بين الحق والباطل، تستخدم كلمة الحق في سبيل الباطل، تطالب بالحق ولا تطبقه على أتباعها، تجعل من الشيطان ملاكا، وتهاجم كل من يجترئ على تسفيه حكمتها، تعاليم لا تميز بين الغناء والمواء، بين التمرة والجمرة.
قيل إنّ الناس يعيشون على الآراء ويهتدون بالآراء، مهما كانت تلك. وقيل إنّْ من يحسن خداع نفسه، يعيش أحسن من سواه. إذ أنّ كل التعاليم المضللة بجملتها، تدفع بالبشر إلى التطرف إلى الجهة الأخرى، هي مثل حقل ينبت فيه الحنطة والزوان معا، وأنّ من وجد نفسه يجول ضائعا فوق الجبال التي لم يطأها أحد. فهي تقلب الأمور رأسا على عقب، هي تحرف الأشياء بقوة، هي تغرس رغبة الناس في اضرام الحروب، لتهرق دمائهم في ساحة القتال، وتجيز أيضا مبادئ جائرة، في تغيير أخلاقيات الناس، في خلق التدين وروح الفريسية وزرع الكراهية والحقد في قلوب الآخرين، وتشريب العقول بتعاليم فاسدة، غير قادرة على التحرر من الخوف.
وهذه كلها بنيتْ على التملق والمداهنة والاطراء والأكاذيب، والانحراف وراء الضلال، وإلى الجنة التي وعد الناس بها أنفسهم، والخلود في ظل الملذات ونزوات خيالية بهيمية، لا وجود لها على الأرض لا يستمتع بها الإنسان هنا على الأرض، وإلى الرؤى التي يدعي البعض أنّها من السماء، والمزيد من الترهات والخزعبلات، والقصص العجائزية، المليئة بالخرافات، والتهديد والقسوة والاضطهاد والقتل وسفك الدماء باسم العقيدة، وبالتالي لكي تسحق العظماء وصغار القوم على حد سواء. في حين أنّ التعاليم الحقة هي تخلع الإنسان العتيق وأفكاره وشهواته، وهي مثل الأشجار، التي تزيح الأوراق القديمة التي تتساقط الواحدة بعد الأخرى على الأرض.
تبقى تلك المسرات الخيالية، جزء لا يتجزأ من حياته، وفكره. وسوف لن ينقشع الوهم، ولن تسقط القشور من أعين أناس آخرين، ما داموا لم يهاجموا الضلالات، جملة وتفصيلا، بل تمسكوا بتلك التعاليم المضلة، مثل امسك الأعمى بالعصا، ما داموا لم يقدروا أنْ يعرفوا الأرنب وأذنيها، ويفهموا أنّ السم والعسل لا يكونان في مكان واحد، ويلتبس عليهم أيضا التمييز بين الزيت ورواسب الزيتون.
_________________________________________________ |