لا تخـــــف

لا تخـــــف

لا تدع الخوف يغرقك، كعادته، في أفكار متعدّدة ومتقلّبة، بل ثقْ بأنّ حارسك معك، وتيقّنْ، من خلال معرفتك، أنّك أنت، وكلّ الخليقة، تخضعون لسيّد واحد يحرّك ويهزّ ويهدئ ويدبّر الكلّ بإيماءة واحدة. واعلمْ أنّه لا يمكن لعبد أن يؤذي رفيقه دون إرادة مدبّر الجميع وموجّههم. فانهضْ، حالاً، وتشجّعْ. فإذا كانت الحرّيّة قد أعطيت للبعض، فاعلم أنّها لم تعطَ لهم في كلّ شيء، لأنّه لا الشيطان ولا الوحوش الضارية ولا الناس الأشرار يمكنهم أن يتمّموا مآربهم في الفساد والإهلاك إلّا بإرادة مدبّر الكون. وإن سمح لهم بذلك، فإنّه يضع لهم حدًّا، لأنّه لو تركهم يمارسون حرّيّتهم كلّها لما بقي جسد حيّ. لأنّ الربّ لا يدع الشياطين والبشر يتسلّطون على خليقته ويفعلون بها ما يشاؤون.
إذًا، خاطب نفسك دائمًا وقل: عندي ملاك حارس يحميني، ولا يمكن لأحد من المخلوقات أن يقف بوجهي إن لم يؤذَن له من فوق. ثق أنّهم لا يستطيعون أن يظهروا أمام عينيك، ولا يجسروا أن يدنوا من مسمعك بأصوات تهديداتهم، لو لم يؤذَن لهم من فوق، من السماويّ، وإلّا لما كانوا استخدموا هذه الطريقة، بل فعلوا ما أرادوا.
وقل لنفسك أيضًا: إن كانت مشيئة سيّدي أن يتسلّط الأشرار على مخلوقاته، فلا سبيل لكِ أن ترفضي ذلك، بل كوني مثل عبد لا يرضى مخالفة سيّده. بهذه الطريقة تمتلئ فرحًا أثناء التجارب، لأنّك تعلم، وتدرك جيّدًا، أنّ إرادة السيّد تدبّر توجّهك. ثبّتْ قلبك في الربّ، وثقْ به، ولا تخشَ لا من خوف ليليّ ولا من سهمٍ يطير في النهار، لأنّ إيمان البارّ بالله يجعل الحيوانات الضارية أنيسة كالنعاج.
واعلم أنّ تعبك سيكون باطلًا إذا كابدت هذه الأتعاب كلّها ولم تقدّم أحزانك كذبيحة حبّ لله، وإن كان الله لا يريد أتعابَ الناس. هذا الأمر يميّزه جميع الذين يحبّون الله، ويصبرون على الضيقات حبًّا به. لأنّ الذين ارتضوا أن يعيشوا بالمسيح يسوع بمخافة الله يتحمّلون الضيقات ويصبرون على الاضطهادات، أمّا هو، فيجعلهم أسيادًا على كنوزه الخفيّة.
(القدّيس إسحق السريانيّ)