✥ نقل رفات وإعلان قداسة القدّيس سيرافيم ساروفسكي✥
في يناير (كانون الثاني) من عام 1991 تم العثور المفاجئ في مخازن متحف تاريخ
الأديان والإلحاد الذي كان يقع في مبنى الكاتدرائية القازانية في مدينة لينينغراد
(سانت بطرسبورغ) على رفات القديس المتوشح بالله سيرافيم ساروفسكي
- أحد أكثر القديسين الروس إكراماً.
قد تم إعلان قداسة القديس سيرافيم ساروفسكي المتوشح بالله في الكنيسة الأرثوذكسية الروسية
في صيف عام 1903 وبمشاركة فعّالة من القيصر القديس نيقولاي الثاني
الذي كان يوقّر شخصياً ستاريتس برّية ساروف.
حتى تاريخ إعلان قداسته كانت شهرة القديس سيرافيم وتكريم الناس له قد انتشرا بشكل واسع
في روسيا كلها. الأخبار عن معونته المباركة والروايات حول معجزاته
وذكريات الذين عاصروه وعرفوه شخصياً وتعاليمه النافعة للروح
- هذه كُلّها تسلّمها الشعب الأرثوذكسي من جيل إلى جيل وحفظها للأجيال القادمة
وتم التبليغ عنها إلى الرئاسة الكنسية.
وكذلك كانت هناك نبوءة معروفة للقديس سيرافيم وهي أنه سيتم العثور على رفاته
وبعد ذلك في زمن الاضطهاد على الإيمان المسيحي ستختفي رفاته مرة أخرى وتضيع
وهذا ما حصل بالضبط. بعد انقلاب أكتوبر سرعان ما قام البلاشفة باضطهاد
لم يسبق له مثيل على الأرثوذكسية، وهذا الاضطهاد بدأ ليس على الأحياء
من شهود الإيمان الأرثوذكسي، وإنما شمل بالدرجة الأولى القديسين الراقدين
للكنيسة الأرثوذكسية.
انطلقت حملة تدنيس المقدّسات بفتح مدافن القديسين واستخراج رفاتهم المقدسة،
وتشكّلت لجان مختصّة (وللإيحاء بنزاهة هذه اللجان تم إدخال بعض رجال الدين فيها)
كانت تفتح التوابيت التي تحتوي على رفات القديسين وتحرّر محاضر عن إثبات الحالة
ومن ثم كانت الرفات تُؤخذ إلى مكان مجهول لا يعلمه أحد. أصيب المؤمنون بحيرة عظيمة
لا توصف من جراء رؤيتهم لتدنيس المقدسات دون أن يروا عقاباً يحلّ بالمدنّسين.
ما بعث على العزاء فقط هو قول أحد شهود العيان لتلك الأحداث البروفيسور إ.م. أندرييف:
"إن التهكّم وإهانة رفات القديسين لا يمكن اعتبارها إلا مشاركة للقديسين في المعاناة
والعذابات العامّة.
قاسى كل الشعب الروسي وقاسى معه القديسون الروس".
وممّا يؤكد صحة هذا الكلام هو الظهورات المتعدّدة للقديسين الروس لمحبّيهم من المؤمنين
بكلمات تعزية ومباركة وتشجيع على جهاد الوفاء للمسيح. في بعض الأحيان تمكّن المسيحيون
الحسنو العبادة الأرثوذكسيون من أن يخبّئوا ذخائر من رفات القديسين في بيوتهم،
وحافظ الكهنة في الخفاء على بعض الرفات المقدسة،
ولكن أكثر الرفات كانت عُرضة للتدنيس.
.
هكذا كان مصير رفات القديس سيرافيم التي غاصت في المجهول كما كان قد تنبّأ عنها.
هناك حقيقتان موثّقتان فقط
الأولى:
في 17 ديسيمبر من عام 1920
تم استخراج رفات القديس سيرافيم المحفوظة في دير ساروف الذي في ضواحي أرزاماس،
وفي 16 أغسطس من عام 1921 تم الإغلاق عليها ونقلها من هناك.
والثانية:
في نهاية عشرينات القرن العشرين تم عرض رفات القديس سيرافيم في دير "ستراستنوي"
في موسكو الذي تحوّل إلى متحف مُضادّ للدين،
وعلى الأرجح أن الرفات بقيت هناك لغاية العام 1934 عندما تم تفجير الدير.
أما تسلسل الأحداث بعد هذا التاريخ فلم يصبح جليّاً إلا في عام 1990
ويعطينا صورة مفصّلة للأحداث قداسة البطريرك ألكسي الثاني في كلمته التي ألقاها
في لافرا القديس ألكسندر نيفسكي بتاريخ 12 يناير 1991، في اليوم التالي
من توقيع محضر تسليم رفات القديس سيرافيم ساروفسكي إلى الكنيسة الأرثوذكسية الروسية.
أخبر البطريرك ألكسي الثاني بأنه في لقائه الأوّل مع مدير متحف تاريخ الأديان
قد تم الاتفاق على أنه من الضروري إعادة رفات القديسين إلى الكنيسة بما أنها مقدّسات أورثوذكسية. أول المقدّسات التي تم إعادتها للكنيسة هي رفات الأمير القديس
الحسن العبادة ألكسندر نيفسكي.
وسرعان ما تمّ إعادة رفات القديسين زوسيما وسباتيوس وهرمان
الذين من سولوفكي إلى الكنيسة.
واعتبر الجميع بأنه لا توجد في المتحف أية رفات أخرى،
ولكن بسبب الرحيل المزمع للمتحف من مبنى الكاتدرائية القازانية قام الموظفون
بعملية جرد للموجودات في غرف وأقبية المتحف،
وفي إحدى الحجرات التي كان يُحفظ فيها الجُبلين (سجاد الحائط)
عثروا على قطعة من القماش ملفوفة وبداخلها رفات.
وعندما فتحوها وجدوا كتابة على القفاز:
"أيّها الأب المتوشح بالله سيرافيم، صلِّ إلى الله من أجلنا!".
لمن هذه الرفات؟ لم يكن على القفاز أية معلومة أخرى سوى الكتابة،
لا رقم ولا شرح. يتابع البطريرك ألكسي الثاني ويقول:
"أما قصّة مصادرة رفات القديس سيرافيم فهي كالتالي.
تم إحضارها من ساروف إلى أرزاماس ومن أرزاماس إلى دير "دونسكوي"،
وثمّ يُفقد أثرها ولا أحد يعرف عنها شيئاً". ويتذكر البطريرك ألكسي كم كان
من الصعب على الشعب المؤمن أن يرضخ لفكرة فقدان رفات القديس سيرافيم،
وفي كثير من الأماكن تم العثور على أشياء نُسبت ملكيتها للقديس سيرافيم،
مثل فأسه وقطع من ملابسه وثوبه الكهنوتي وقفازاته.
بدأ البطريرك ألكسي الثاني في البحث عن محضر استخراج رفات القديس سيرافيم
وسرعان ما وجده، وقارن محضر استخراج الرفات عام 1920 مع وثيقة إعلان
قداسة القديس سيرافيم الصادرة عن الكنيسة عام 1903.
ويتابع البطريرك ألكسي قائلا: "وأرسلتُ إلى ليننغراد (بطرسبورغ)
أسقفين هما يفغيني أسقف تامبوف وميتشورين والآخر أرسانيوس أسقف إسترين،
الذين كشفا على الرفاة وأجريا بحوثاً عليها وشهدا عن الإحساس بالنعمة وبخروج رائحة زكية
من الرفاة التي هي قيد البحث.
بعد المقارنة ظهر يقيناً بأن هذه الرفات هي بالفعل للقديس سيرافيم ساروفسكي.
تبقى على موعد تسليم الرفات أحد عشر يوماً، وتم تجهيز التابوت الذي وُضعت فيه الرفات
المقدسة عشية إعادتها للكنيسة الأرثوذكسية الروسية".
تم نقل رفات القديس سيرافيم إلى موسكو وتمّ وضعها في كاتدرائية الظهور الإلهي
للسجود لها إكراماً، وبقيت الرفات هناك عدّة شهور، وطوال هذه المدة
لم يتوقف تدفّق المؤمنين الأرثوذكس إلى هذه الكاتدرائية للسجود لرفات القديس سيرافيم.
ثم بدأت رحلة الرفات المقدسة من موسكو إلى ديفييفو
مروراً بالمدن والقرى الروسية في الطريق.
لقد كانت "مسيرة صليب" بالسيارات لعموم روسيا فريدة من نوعها.
كانت الرفات المقدسة في حافلة صغيرة وخلف الحافلة مباشرة سيارة البطريرك...
وكانت المسيرة تقف في المدن والأديرة التي في الطريق، وهناك كان البطريرك
يخدم الليتورجيا وكان الكهنة يتمّمون الأكاثيستون للقديس سيرافيم آلاف المرات.
في 1 أغسطس عام 1991 الموافق ليوم تذكار القديس سيرافيم ساروفسكي
تمّت إعادة رفاته إلى دير ديفييفو الذي أسّسه القديس سيرافيم.
لقد كانت هذه العجيبة من أبرز العجائب في تاريخ الكنيسة الأرثوذكسية الروسية
في القرن العشرين.
|