الفقر الإنجيلي 2 الفقر في الكتاب المقدّس

الفقر الإنجيلي 2
الفقر في الكتاب المقدّس

أوّلاً: العهد القديم
---------------------------------------------------------------

ب)- مماثلة المسكين بالبار

التيّار الفكريّ الثاني ظهر في أوساط الحكماء خاصّة، وهو يرى في الفقير رجلاً خاطئًا. أساسُ هذا التيّار فكرةُ مكافأة الصِّدّيق مكافأةً زمنيّة: فالغنى هو جزاء الفضيلة وبالتالي تكون حالة الفقر علامة الخطيئة. أجمل مثل على ذلك هو بلا شك شخصيّة أيّوب العالق في محاولة تبرير مستحيلة! وبالفعل:

"طُوبَى لِمَنْ يَخْشَى الرَّبَّ وَيَبْتَهِجُ جِدّاً بِوَصَايَاهُ. ذُرِّيَّتُهُ تَكُونُ قَوِيَّةً فِي الأَرْضِ، جِيلُ الْمُسْتَقِيمِينَ يَكُونُ مُبَارَكاً. يَمْتَلِيءُ بَيْتُهُ مَالاً وَغِنًى." (مزمور 112، 1-3).

ذلك لأنّ الصِّدّيق يُكافَأ دائمًا، وكلّ ما يفعله ينجح. أمّا الفقراء والتعساء، في المقابل، فقد يصحّ القول بشيء من القسوة: الذنب ذنبهم! فسفر الأمثال مزروع بأحكام من هذا النوع:

" الْعَامِلُ بِيَدٍ مُسْتَرْخِيَةٍ يَفْتَقِرُ، أَمَّا الْيَدُ الْكَادِحَةُ فَتُغْنِي." (أمثال 10، 4)
" لاَ تُوْلَعْ بِالنَّوْمِ لِئَلاَّ تَفْتَقِرَ، اسْتَيْقِظْ وَاعْمَلْ فَتَشْبَعَ خُبْزاً." (أمثال 20، 13)
" السِّكِّيرَ وَالشَّرِهَ يَفْتَقِرَانِ، وَكَثْرَةُ النَّوْمِ تَكْسُو الْمَرْءَ بِالْخِرَقِ." (أمثال 23، 21)

الأمثال القديمة التي كانت تُعَلَّق في الماضي على جدران المدرسة الابتدائية ليست بعيدة عن هذه الحِكَم! إنّها حكمة قصيرة النظر على صورة نوع من حكايات "لافونتين" يمكن عنونتها بـ"الكسول والنملة"، وهي واردة في سفر الأمثال 6، 6-11:

"اذْهَبْ إِلَى النَّمْلَةِ أَيُّهَا الْكَسُولُ، تَمَعَّنْ فِي طُرُقِهَا وَكُنْ حَكِيماً، فَمَعَ أَنَّهَا مِنْ غَيْرِ قَائِدٍ أَوْ مُدَبِّرٍ أَوْ حَاكِمٍ، إِلاَّ أَنَّهَا تَخْزِنُ طَعَامَهَا فِي الصَّيْفِ، وَتَجْمَعُ مَؤُونَتَهَا فِي مَوْسِمِ الْحَصَادِ. فَإِلَى مَتَى تَظَلُّ رَاقِداً أَيُّهَا الْكَسُولُ؟ مَتَى تَهُبُّ مِنْ نَوْمِكَ؟ فَإِنَّ بَعْضَ النَّوْمِ، ثُمَّ بَعْضَ الرُّقَادِ، وَطَيَّ الْيَدَيْنِ لِلْهُجُوعِ، تَجْعَلُ الْفَقْرَ يُقْبِلُ عَلَيْكَ كَقَاطِعِ طَرِيقٍ، وَالْفَاقَةُ كَرَجُلٍ مُسَلَّحٍ." (أمثال 6، 6-11)

يطرح سفر أيّوب الموضوع بطريقة مأسويّة. فأيّوب ضُرِب من قبل الله الذي أراد أن يجرّبه. فهو إذًا، بحسب أصدقائه والرأي الشائع الذي يمثلّونه، رجل خاطئ. ولكنّ أيّوب يصرّ على تأكيد براءته. فهناك إذًا سرّ – سرّ البّار الممتحَن- وهو سرّ لن يتوضّح تمامًا في نهاية السفر، لأنّنا نصطدم في الواقع بسرّ الله نفسه. فيعترف أيّوب بذلك:
" قَدْ أَدْرَكْتُ أَنَّكَ تَسْتَطِيعُ كُلَّ شَيْءٍ وَلاَ يَتَعَذَّرُ عَلَيْكَ أَمْرٌ. تَسْأَلُنِي: مَنْ ذَا الَّذِي يُخْفِي الْمَشُورَةَ مِنْ غَيْرِ مَعْرِفَةٍ؟ حَقّاً قَدْ نَطَقْتُ بِأُمُورٍ لَمْ أَفْهَمْهَا، بِعَجَائِبَ تَفُوقُ إِدْرَاكِي."(أيّوب 42، 2-3)