ماذا قدّم
لنا المسيح؟
دخلت نجوى البيت مساء، فوجدت زوجها يتابع برنامجًا تلفزيونيًّا على إحدى المحطّات الدينيّة، فسألته:
- ماذا تشاهد، يا عزيزي؟
- إنّه برنامج خاصّ بعيد الميلاد.
- وماذا يقول؟
- اسمعي.
وهنا سمعت نجوى المذيعة تسأل المشاهدين قائلة: "مشاهديّ الأعزّاء، لقد طرح عليّ أحد الشبّان سؤالاً جديرًا بالتأمّل، ألا وهو ماذا قدّم المسيح للعالم في ميلاده؟ وأنا بدوري أحبّ أن أسألكم السؤال عينه، وإنّي أنتظر أجاباتكم ليستفيد منها الجميع، مع العلم بأنّنا سنقدّم جائزة قيّمة لصاحب أفضل جواب".
فسألت نجوى زوجها:
- فعلاً، إنّه سؤال مهمّ. ولكن ماذا قدّم لنا السيّد المسيح في ميلاده سوى الخلاص؟
- الحقّ معك، فالخلاص هو العنوان الكبير للميلاد، ولكنّه قدّم لنا عدا ذلك مفهومًا جديدًا للحياة، وتعبيرات جديدة لم تكن مستعملة من قبل حتّى بهت سامعوه وصاحوا قائلين: "ما سمعنا كلامًا قطّ مثل هذا". ثمّ ألم يقدّم المسيح لنا الحبّ الصحيح، وجاء لينشره بين الناس وبين الناس والله، لأنّ جميع الوصايا تتمركز في واحدة وهي المحبّة.
- ولكن، من أين جئت بهذه المفاهيم؟
- لقد لفتني في أحد الكتب الدينيّة، فسجّلتها على صفحة مفكّرتي وعلى صفحة قلبي كذلك.
- جميل جدًّا، ثمّ ماذا؟
- لقد قدّم المسيح تعليمًا جديدًا، وهو محبّة من يسيئون إلينا ويكرهوننا ويحقدون علينا ويسبّبون لنا الخسائر الماديّة أو غيرها، لأنّ المحبّة يجب أن تنتصر، فهي الوحيدة التي لا تسقط أبدًا، ولا تُغلَب.
- إنّها وصيّة صعبة، أليس كذلك؟
- إنّها صعبة لمن يحبّ ذاته، ولكن متى استولت محبّة الله على الكيان كلّه، لا تعود تبدو صعبة، بل على العكس يبدو عدم تطبيقها صعبًا ومزعجًا.
- وهل جرّبت أنت هذا؟
- نعم، واتّضح لي، بعد جهاد ليس بقليل، أنّ المحبّة مصدر السعادة كلّها، مصدر السلام الحقيقيّ...
- فقاطعته نجوى قائلة: السلام، السلام.
- نعم، لقد قدّم المسيح السلام، السلام بين الناس وسلام بين الإنسان والله، وسلام في أعماق النفس من الداخل. سلام الله يفوق العقل. لمّا وُلد المسيح سبّحت الملائكة قائلة "وعلى الأرض السلام". إذًا، جاء المسيح ليقيم صلحًا بين السماء والأرض، بين الله والناس بعد أن كانت الخطيئة تقيم حاجزًا بين الإنسان والله.
- أظنّ أنّ أجمل ما قدّمه الربّ المتجسّد في ميلاده هو إنهاء عبادة الأصنام.
- لم تنتهِ عبادة الأصنام إلاّ ظاهريًّا.
- ماذا تقول؟ إنّك تبالغ.
- كلا، إنّي أقول الحقّ لأنّ محبّة الذات هي الصنم الأكثر شيوعًا بين الناس، لذلك فالمسيح قدّم لنا بتجسّده مفهوم إنكار الذات التي كثيرًا ما تصبح صنمًا يتعبّد لها صاحبها ويحبّ، من خلال هذه العبادة، أن يكبر ويتمجّد.
- رائع، ثمّ ماذا؟ هل لديك شيء آخر؟
- نعم، آخر مفهوم أودّ أن أشير إليه وهو مفهوم القوّة. فالقوّة ليست مظهرًا خارجيًّا يتحقّق بالانتصار على الغير، إنّما القوّة هي شيء داخليّ، إنّها الانتصار على الذات. أمّا المعتدي، فهو ضعيف، لأنّه مغلوب من خطيئته، مغلوب من العنف وعدم محبّته للآخرين. أمّا الذي يحتمل فهو قويّ، قويّ في ضبط نفسه، قويّ في عدم انتقامه. لقد أشار الكتاب إلى هذه الأمور التي أعتبرها بعضًا ممّا قدّم لنا المسيح في ميلاده، ولكن، هل نستطيع، يا ترى، أن نعدّ الخيرات التي قدّمها الربّ للإنسان؟!!
\
- مدهش، يا عزيزي، الآن تستطيع إرسال هذه المفاهيم إلى البرنامج التلفزيوني، وأظنّ أنّها مفاهيم جديدة لم يتطرّق إليها أحد قبلك، وبذلك تأخذ الجائزة التي يقدّمها البرنامج لأفضل إجابة.
- أشكرك. ولكن يبقى السؤال الأهم، طبعًا بنظري، ماذا قدّمنا نحن للمسيح مقابل خيراته كلّها؟
- أظنّ أنّ هذا سؤال شخصيّ، يتطلّب جلسة هادئة مع النفس ومع الله.
- صدقت، وهذا ما أنوي فعله هذه الليلة، ليكون الحبّ بين الله المتجسّد وبيني مشتركًا.
- وأنا سأفعل نظيرك، فهيّا بنا أوّلا إلى العشاء ثمّ إلى التأمّل.
اعداد دير راهبات القديس يعقوب الغارسي المقطع