joulia المدير العام
عدد المساهمات : 11984 نقاط : 15820 تاريخ التسجيل : 11/10/2014 الموقع : لبنان
| موضوع: المعنى المسيحي للحياة الجنسية في الزواج السبت ديسمبر 06, 2014 4:20 am | |
|
| المعنى المسيحي للحياة الجنسية في الزواج
مقدمة
يُعبِّر الزواجان عن اتحادهما من خلال العلاقة الجنسية المتأصِّلة في الحب والمنفتحة بطبيعتها على الانجاب. في هذا الاطار نستطيع ان نفهم قيمة هذه العلاقة ومعنى الحياة الجنسية التي غالباً ما تشوهها تيارات تجعل من الجنس مجرد وسيلة مبتذلة لارضاء الرغبات. ان تعميق معنى هذه العلاقة على ضوء الكتاب المقدس وانطلاقاً من الحب بين الاشخاص والانجاب يساعد على فهم اكبر لقيمة الزواج وكرامته وعلى عيش افضل لشركة الحب والحياة بين الزوجين.
1. التمايز بين الرجل والمرأة
"خلق الله الانسان على صورته على صورة الله خلقه، ذكراً وانثى خلقهم" (تك1/27). شاء الله، عندما خلق الانسان، تمايزا على الصعيد الجنسي بين الرجل والمرأة، وهذا يعني ان الله هو مصدر كل شخصهما وكل خصائصهما الجنسية و مصدر اللذة الجنسية. لذلك كل شيء فيهما هو خير. نتذكر هنا كلمات سفر التكوين بعد ان أتم الله خلقه: " ورأى الله جميع ما صنعه فاذا هو حسن جداً" ( تك1/31). لا يقتصر هذا التمايز الجنسي على مستوى الجسد فحسب، بل يشمل ايضاً المستويين النفسي والروحي. نقرأ في الوثيقة الصادرة عن المجلس الحبري من أجل العيلة سنة 1995 "الانسان والجنس حقيقة ومدلول" (رقم13): "ان الجنس يميز الرجل والمرأة ليس فقط على الصعيد الجسدي، بل ايضاً على الصعيد النفسي والروحي. ويطبع كل تصرف عندهما. مثل هذا الاختلاف المرتبط بالتكامل بين الجنسين، يتجاوب تجاوباً كلياً مع قصد الله وفقاً لدعوة كل منهما". ان الجنس، اذا،ً يطبع ويميز كل الشخصية وكل الهوية. فالانسان يفكر، يشعر، يصلي، يتحرك جسدياً بكونه رجلاً او امرأة: فالهوية الجنسية تؤثر على كل التصرفات لانها تتصل بعمق الشخص البشري وليست شيئاً بيولوجياً صرفاً (راجع "الانسان والجنس حقيقة ومدلبول"،رقم3). ان التمايز بين الرجل والمرأة لا يفرق بينهما بل هو عامل أساسي في انجذابهما المتبادل وتكاملهما وحياتهما المشتركة في الزواج.
2. التكامل بين الرجل والمرأة
يظهر الانجذاب المتبادل والتكامل بين الرجل والمرأة في رواية الخلق الثانية في سفر التكوين (2/18-24): تك 2/18-20: تخبرنا هذه الآيات عن قصد الله بخلق عونٍ للانسان في رواية تُسلّط الضوء على طابع الانسان الاجتماعي، وعلى انه مخلوق للتواصل مع الآخر. تك 2/21: ان خلق المرأة أثناء نوم الرجل، أي انه لم يرَ كيف خُلقت، يدل الى انها تبقى بالنسبة اليه سراً (mystère) يُكتشف طيلة الحياة. وهذا يصح في الرجل بالنسبة للمرأة. والله خلق المرأة من ضلع الرجل، أي انها من طبيعته وباستطاعتها ان تكون له عوناً. تك 2/22-23: يقول الرجل ان المرأة هي عظم من عظمه ولحم من لحمه، أي انه منجذب اليها وانها قريبة منه. بينهما انسجام كلي، فهي ليست غريبة عنه، بل تفهمه جيداً، تفهم شعوره ورغبته وحاجاته. وهو يستطيع ان يدخل معها في لقاء حميم يرتاح له القلب والفكر والجسد. تك2/24: " فيصيران جسداً واحداً ". ان لقاء الرجل والمرأة في الزواج يوحدهما ويجعلهما يعيشان شركة حياة.
في مر10/9 ومتى19/6 يعيد يسوع المسيح قراءة هذه الآية (تك2/24)، ويشرحها قائلاً: " ما جمعه الله لا يفرقه انسان". وهذا يعني ان الله هو الذي أنشأ الزواج بما فيه من شركة حميمة ووضع قوانينه، وهو الذي اراد ان يبلغ اتحاد الزوحين درجة يصيران فيها جسداً واحداً. يعبّر هذا الاتحاد عن هبة الذات الكاملة والمتبادلة. وهبة الذات هذه، هي الحب. لا بُدَّ هنا من التنبُّه الى مفهومين غير كاملَينِ للحب: الأول هو ربط الحب بالعاطفة فقط، مما يحمل على الظن ان الحب ينشأ عندما تولد العاطفة، ويخفُّ عندما تهمد. ان العاطفة مهمة وضرورية فهي تحرك التواصل بين الرجل والمرأة، والحب الحقيقي يشملها، ولكنها لا تشكل كلية الحب. والثاني هو حصر الحب بالانجذاب الجنسي فقط. ان الحب الحقيقي يشمل هذا الانجذاب ويؤنسنه ولكنه لا يقتصر عليه. الحب الحقيقي هو هبة الذات الكاملة للآخر من أجل خيره وسعادته. تشمل هذه الهبة الفكر والقلب والوقت والجسد وكل الحياة، وتُظهر المعنى العميق للعلاقة الجنسية.
3. العلاقة الجنسية والحب
ان العلاقة الجنسية التي يتبادل فيها الرجل والمرأة هبة الأجساد عبر الافعال الخاصة والمقتصرة على الزوجين ليست أمرا بيولوجيا محضا، بل شركة بينهما وتعبير عن هبة الذات الكاملة اي الحب الذي به يلتزم كل من الرجل والمرأة بالآخر التزاماً كاملاً حتى الموت (راجع "وظائف العائلة المسيحية" رقم11؛ "الانسان والجنس، حقيقة ومدلول" رقم 14؛ تعليم الكنيسة الكاثوليكية رقم 2361). ترتبط العلاقة الجنسية ارتباطا عضويا بالحب، وبالتحديد بالحب الزوجي، وهي تقتصر عليه، ولا تتحقق بطريقة بشرية حقاً الا اذا كانت جزءاً لا يتجزأ منه
نقرأ في "الانسان والجنس حقيقة ومدلول" رقم 11: "ان الجنس بما هو، وعلى قدر ما هو، وسيلة للاتصال بالغير والانفتاح عليه انما غايته الجوهرية الحب عطاءً وقبولاً، ان يعطي ويقبل. والعلاقة بين الرجل والمرأة هي بالاساس علاقة حب. لا بد للجنس من ان يوجّه ويرفع ويُدمج بالحب، فوحده الحب يجعله بشرياً حقاً". تنبع اذاً العلاقة الجنسية في الزواج من الحب وتعبِّر عنه وتغذيه. هي علاقة حوارية تتألف من مضمون ولغة. مضمونها الحب ولغتها الجسد. وكما ان اللغة تعبر عن المضمون وتنقله للآخر كذلك الجسد يعبر عن الحب وينقله للآخر. ان مفهوم الجسد يُجلي بدوره معنى العلاقة الجنسية. فالجسد، بحسب الكتاب المقدس، ليس شيئاً يمتلكه الانسان بل يمثّل كل الذات البشرية في واقعها الحسّي والتاريخي والاجتماعي. في هذا المعنى ان هبة الاجساد بين الزوجين هي تعبير عن هبة الذات كلها، أي الحب، بدون حدود في الوقت. لذلك ترتبط العلاقة الجنسية ارتباطاً لا ينفصم بفعل التزام شخصي وضميري واجتماعي بعيش شركة المحبة مع الآخر لمدى الحياة. من ناحية علم النفس ان العلاقة الجنسية السليمة هي التي يبلغ فيها الفريقان الى المتعة الكاملة، فعلى الذي يسبق أن يساعد الآخر للوصول اليها. تبتدئ هذه العلاقة بطريقة تدريجية حتى تصل الى الذروة ثم تنتهي بطريقة تدريجية. يجب ان تُراعى فيها الخصائص الجنسية عند الرجل والمرأة اللذين يملك كل منهما ميلا جنسيا متمايزا عن الآخر لا أكثر ولا أقل من الآخر. فالحياة الجنسية عند الرجل أكثر تموضعا من المرأة، في حين ان المرأة تتميز بحياة جنسية أكثر انتشارا في شخصها ونفسيتها. فهي لا تفصل بين العلاقة الجسدية والحب العاطفي، بل ان الحب العاطفي يجد ذروته في العلاقة الجسدية. لذلك تبدأ العلاقة الجنسية عند المرأة بالشعور انها محبوبة من الرجل. في هذا السياق تحسن ملامسة الروح بالكلمة الجميلة والملاطفة الحنونة قبل ملامسة الجسد.
4. غاية العلاقة الجنسية
تهدف العلاقة الجنسية في الوقت معاً الى التعبير عن الحب وتغذيته، والى الانجاب. لا تراتبية بين هذين الهدفين، الحب والانجاب، فهما مرتبطان ببعضهما البعض على ما تظهره الشريعة الطبيعية ا ذ ان الحب الزوجي منفتح على نعمة الحياة الآتية من الله. ولكن اذا انتفى الانجاب لأسباب خارجة عن ارادة الزوجين، يبقى للعلاقة الجنسية معناها الانساني لأنها مرتبطة أيضا بشكل أساسي بالحب.
نستخلص هدف شركة الحب والحياة بين الرجل والمرأة من روايتي الخلق في سفر التكوين. فالرواية الاولى تركز على هدف الانجاب، اذ نقرأ في تك 1/28: " وباركهم الله وقال لهم، انموا واكثروا واملأوا الارض وأخضعوها وتسلطوا على اسماك البحر وطيور السماء وكل حيوان يدب على الارض". والرواية الثانية تركز على هدف الاتحاد بين الرجل والمرأة اذ نقرأ قي تك 2/18: وقال الرب الاله: "لا يحسن ان يكون الانسان وحده، فلأصنعن له عوناً يناسبه "؛ ومن ثم نقرأ الآيات تك 2/21-24 وخصوصاً تك2/24: "ولذلك يترك الرجل اباه وامه ويلتزم امرأته فيصيران جسداً واحداً". نعرض في هذا الصدد مراجعة تاريخية عامة (panorama) لمكانة هدفي الزواج في التقليد الروحي واللاهوتي المسيحي. تُقسم هذه المراجعة الى ثلاث حقبات.
الحقبة الاول
هي الحقبة التي تلت العصر الرسولي (بعد رسل المسيح يسوع الاثني عشر) حتى القرون الوسطى ضمناً. ثمّ التشديد في هذه الحقبة على ان هدف العلاقة الجنسية الرئيس هو الانجاب. اما اللذة فهي نتيجة الخطيئة ولكنها تكون محتملة حين يكون الهدف الانجاب.
الحقبة الثانية
هي الحقبة التي تمتد من أواخر العصور الوسطى (حوالي القرن 15) حتى ما قبل المجمع الفاتيكاني الثاني المسكوني. في هذه الحقبة تمت اعادة اعتبار الاتحاد الزوجي في العلاقة الجنسية؛ انما اقيمت تراتبية في اهداف الزواج؛ فالهدف الاول والاساسي هو الانجاب والهدف الثانوي هو الاتحاد.
الحقبة الثالثة
برزت هذه الحقبة خصوصاً في المجمع الفاتيكاني الثاني (فرح ورجاء 48 و49) وفي كتابات البابا يوحنا بولس الثاني ( مثلاً " وظائف العائلة المسيحية" ؛ وفي تعليم الكنيسة الكاثوليكية راجع مثلاً فقرة رقم 1643)، وفيها لم تعد هناك تراتبية بين هدفي الزواج بل تمّ التركيز على ان الاثنين مرتبطان بعضهما ببعض، اي ان الحب او الاتحاد الزوجي يعبر عنه في العلاقة الجنسية التي هي منفتحة بطبيعتهما على الانجاب.
|
| |
|
سعاد الادارة العامة
عدد المساهمات : 22227 نقاط : 30251 تاريخ التسجيل : 10/10/2014 الموقع : لبنان
| موضوع: رد: المعنى المسيحي للحياة الجنسية في الزواج السبت ديسمبر 06, 2014 7:05 am | |
| | |
|
joulia المدير العام
عدد المساهمات : 11984 نقاط : 15820 تاريخ التسجيل : 11/10/2014 الموقع : لبنان
| موضوع: رد: المعنى المسيحي للحياة الجنسية في الزواج الأحد ديسمبر 07, 2014 7:22 am | |
| | |
|