نعمة الله
الله هو إله كل نعمة.
وقد أظهر نعمته للإنسان منذ سقوطه.
أظهرها لآدم وحواء إذ أخطأا،
ولنوح عند الطوفان، ولإبراهيم وداود إذ أعطاهما المواعيد، ولبني إسرائيل عندما سجدوا لآلهة أخرى، ولشعب نينوى العاصي الذي تاب بمناداة يونان، وللجنس البشري كله إذ يمطر على الأشرار والصالحين ويشرق بشمسه على الأبرار والطالحين.
غير أن هذه كلها لمحات خاطفة من نعمة الله، تبرق لوقت وجيز، وغالباً ما تكون مرتبطة ببركات زمنية أو بخلاص مؤقت.
ولكن عندما تجسد الكلمة وحل بيننا مملوءاً نعمة وحقاً، ظهرتا نعمة الله في ملئها، حاملة لنا «خلاصاً هذا مقداره «جميع الناس».
ونعمة الله فضلاً عن كونها مترفقة شفوقة؛ فهي كذلك قوة قديرة تُتمم كل مقاصده الصالحة فينا.
النعمة تخلِّص :
بادئ ذي بدء فإن نعمة الله مخلِّصة :
«لأنكم بالنعمة مخلصون، بالإيمان، وذلك ليس منكم، هو عطية الله» (أف 8:2) وهذا الإيمان هو في المسيح يسوع «الذي فيه لنا الفداء بدمه، غفران الخطايا، حسب غنى نعمته» (أف 7:1).
«وإن كان بالنعمة فليس بعد بالإعمال، وإلا فليست النعمة بعد نعمة» (رو 6:11). والحق الصريح هو أنه إذا لم يكن الخلاص بالنعمة «فالمسيح إذاً مات بلا سبب» (غل 21:2).
وأي كلام بخلاف ذلك هو تحويل (تحوير) لإنجيل المسيح (غل 7:1).
والذين يقبلون تعليماً آخر فإن الوحي يصفهم بأنهم ينتقلون عن الله الذي دعاهم بنعمة المسيح (أو إلى نعمة المسيح) (غل 6:1).
النعمة تعلِّم:
ثم إن هذه النعمة تعلمنا.
إنها تعلمنا كيف نعيش في هذا العالم الحاضر.
وتعرفنا ما ينبغي أن نفعله، وما ينبغي ألا نفعله: سلباً وإيجاباً.
إننا يجب أن «أن ننكر الفجور والشهوات العالمية»؛
فليس ثمة مكان لهذه الأشياء مع الذين «يعرفون نعمة ربنا يسوع المسيح»، ثم - من الناحية الإيجابية -
ينبغي أن «نعيش بالتعقل والبر والتقوى» (تي 11:2-14).
والنعمة معلِّم بارع.
ومقاييسها مقدسة ونقية.
وإنه لمن سوء الفهم أن نظن أن إدراك المؤمن لحقيقة مركزه كمن «تحت النعمة» يقوده إلى التسيب وفي سلوكه. العكس هو الصحيح.
انظروا إلى قول الرسول بولس بالروح القدس: «فإن الخطية لن تسودكم، لأنكم لستم تحت الناموس بل تحت النعمة» (رو 14:6).
والآن لنوضح الفارق بين أن تكون تحت الناموس، وأن تكون تحت النعمة
إليك هذا المثال:
استوطن رجل أعمال في مدينة وبنى فيها مصنعاً وعيّن فيه موظفين وموظفات. وعلّق الرجل على حوائط مصنعه لافتات إنذار:
"حذار من السرقة" ، "حافظ على آلات المصنع" ... الخ.
وحدث أنه أحب فتاة من العاملات في المصنع، ولم يلبث أن اقترن بها، فهل نتوقع أن يضع مثل هذه اللافتات في بيته؟
كلا بالطبع.
إنها الآن في علاقة جديدة معه.
إنها عروسه.
وهي تحافظ على ممتلكاته، لا من منطلق الخوف من فقد وظيفتها، ولكن محبة فيه. إنها تهتم بذات اهتماماته، لأنها شريكته.
ليس هدفها بعد كم ستحصل من ورائه، ولكن كم بوسعها أن تفعل لإسعاده. ويسرها الآن أن تغمره بمحبتها وهو الذي أحضرها إلى هذه العلاقة الجديدة.
لم يعد السؤال هو كم سأعطيه من وقتي وطاقتي؟
ذلك أنهما أصبحا واحداً.
نحن الآن عروس المسيح، وسيتم الزفاف قريباً.
إننا الآن نقيم في نعمته، لذلك يقول الروح القدس على فم الرسول بولس:
«الذي به أيضاً قد صار لنا الدخول بالإيمان، إلى هذه النعمة التي نحن فيها مقيمونن ونفتخر على رجاء مجد الله» (رو 2:5).
وهذا الرجاء ليس وهمي.
والرجاء في كلمة الله يشير إلى مواعيده التي لا تسقط.
وإياها نحن نتوقع بصبر عالمين أن «الرجاء لا يخزي (أي لن يخذلنا)» (رو 5:5). والرسول بطرس بدوره كتب شاهداً عن نعمة الله الحقيقية والتي فيها نقوم
(1بط 12:5).
وأن نقوم في النعمة، أو نكون تحت النعمة، فذلك يقودنا إلى حياة تسر الله. فالناموس مثلاً يطلب من الإنسان ألا يسرق، إلا أن النعمة تعلِّم السارق ألا يسرق، بل وبالأحرى تعلمه أن «يتعب عاملاً الصالح بيديه، ليكون له أن يعطي مَنْ له احتياج» (أف 28:4).
الناموس يعلم الإنسان أن يحب قريبه، أما النعمة فتسمو بنا إلى محبة الأعداء. الناموس يطلب عشراً من الدخل، ولكن النعمة تأتي بنا إلى الرب يسوع المسيح الذي من أجلنا افتقر وهو غني لكي نستغني نحن بفقره (2كو 9:8).
وتوصينا أن يكون فينا هذا الفكر الذي في المسيح يسوع.
إن النعمة رقيقة حقاً، ما أبرعها معلماً.
ويحذرنا الكتاب المقدس من خطأين إزاء النعمة.
الأول،
أن نضيف إليها من عندياتنا، ومَنْ يقع في ذلك الخطأ يُبطل نعمة الله (غل 21:2)؛ كأنه يدعها جانباً. ويصفه الكتاب بأنه تبطل عن المسيح .. سقط من النعمة.
والخطأ الثاني،
أن نحوِّل «نعمة إلهنا إلى الدعارة» (يه 4)، أو نأخذها على أنها «فرصة للجسد»، بينما نعمة الله على عكس ذلك.
فهي تعلمنا أن: «ننكر الفجور والشهوات العالمية، ونعيش بالتعقل والبر والتقوى في العالم الحاضر» (تي 12:2)، بل وتسمو بنا لنكون «منتظرين الرجاء المبارك وظهور مجد الله العظيم ومخلصنا يسوع المسيح» (تي 13:2)
.
وتؤتي النعمة فعلها ي نفوسنا بأن تسبي قلوبنا إلى الذي: «بذل نفسه لأجلنا، لكي يفدينا من كل إثم، ويطهِّر لنفسه شعباً خاصاً غيوراً في أعمال حسنة»
(تي 14:2).
لا غرو إذاً أن يحثنا الوحي على النمو في النعمة وفي معرفة ربنا يسوع المسيح؛ فهما مرتبطان.
النعمة كافية:
النعمة كافية للخدمة.
يقول بولس الرسول للمؤمنين في رومية إنه قبل نعمته ورسالته ليقود الأمم إلى «إطاعة الإيمان» (رو 5:1).
ويقول لمؤمني غلاطية إن الله دعاه بنعمت ليبشر بالمسيح بين الأمم (غل 15:1، 16) ولا يقتصر دور النعمة على دعوته للخدمة فقط، بل هي أيضاً قوته اللازمة للقيام بالعمل المنوط به كبنّاء حكيم:
«حسب نعمة الله المعطاة لي كبنّاء حكيم قد وضعت أساساً، وآخر يبني عليه» (1كو 10:3).
بل ويضيف أنه لم يكن مستأهلاً لأنه يدعى رسولاً ولكن بنعمة الله صار إلى ما هو عليه «ولكن بنعمة الله أنا ما أنا»، كما وينسب الفضل كله لنعمة الله وهو التاعب أكثر من جميعهم: «ونعمته المعطاة لي لم تكن باطلة، بل أنا تعبت أكثر منهم جميعهم. ولكن لا أنا، بل نعمة الله التي معي» (1كو 10:15)
وبالمثل يحض الرسول مؤمني رومية على استخدام المواهب:
«بحسب النعمة المعطاة لنا» (رو 6:12) ..
ويقول إنه يعلمهم بالنعمة المعطاة له: «فإني أقول بالنعمة المعطاة لي، لكل من هو بينكم» (رو 3:12).
ويستطرد في آخر الرسالة: «بأكثر جسارة كتبت إليكم .. كمذكِّر لكم، بسبب النعمة التي وهبت لي من الله» (رو 15:15).
ترون إذن أنه لا مجال للافتخار «من افتخر فليفتخر بالرب» (1كو 31:1).
النعمة هي وازع العطاء:
في 2كورنثوس 8، 9 لنا تعاليم ثمينة فيما يختص بموضوع العطاء.
ويبدأ الرسول بالإشارة إلى مؤمني مكدونية الذين رغم فقرهم مادياً وضيقتهم الشديدة قدموا بسرور عطايا سخية فوق طاقتهم راجين الرسول أن يقبلها.
ولكن ما هو سر هذا السخاء؟ إنها «نعمة الله» (2كو 1:8-3).
هذه النعمة تستطيع أن تخلق منا أناساً معطائين.
إننا متى أدركنا نعمة الرب يسوع الذي من أجلنا افتقر وهو غني لكي نستغني نحن بفقره أصبحنا مثل مؤمني مكدونية الأسخياء.
النعمة تعطي صبراً في التجربة:
إننا لا نحب الضيقات. ولنا أن نصلي للخلاص منها.
وقد تضرع الرسول بولس من أجل شوكته التي في الجسد فأجابه الرب:
«تكفيك نعمتي لأن قوتي في الضعف تكمل» ولم يعد بولس بعد يفزع من شوكته، بل أصبح يسر بالشتائم والضعفات والضرورات والاضطهادات والضيقات (2كو 8:12 -10).
وأخيراً يحثنا الرسول بطرس:
«منطقوا أحقاء ذنكم صاحين فألقوا رجاءكم بالتمام على النعمة التي يؤتى بها إليكم عند استعلان يسوع المسيح» (1بط 13:1).
ما أروع ذلك،
نعمة من البداية حتى النهاية.
النعمة تخلصنا وتعلمنا كيف ينبغي أن نعيش ونخدم ونعطي ونصبر.
بالنعمة خلصنا وفيها الآن نقيم ونقوَّم وسيؤتى بها إلينا عند استعلان الرب يسوع المسيح.
شكراً للرب «إله كل نعمة» (1بط 10:5).
بقلم خادم الرب / متى بهنام