لقد أثار زكريا المشكلة التي يثيرها الضعف البشري
عندما توزن الأمور بموازين العقل البشري!
ولكن الله لا يمكن أن تنتهي طريقه بنهاية التفكير البشري أو حدود الذهن الإنساني!
وقد عوقب زكريا، عندما أراد أن يوقف قدرة الله عند منعطف الذهن الإنساني القاصر!
وكانت العقوبة غريبة في حد ذاتها، من المعتقد أنه لم يصب فقط بالبكم بل بالصمم أيضًا
وقد تعذر عليه أن يتكلم إلى الشعب، ولا إلى الذين تكلموا إليه يوم ميلاد ابنه
وتكرر القول : «فكان يؤميء إليهم وبقي صامتاً..
ثم أومأوا إلى أبيه ماذا يريد أن يسمى» (لو 1 : 22 و62)
وإذاكان الإيماء الأول من جانبه دليلاً على عجزه عن الكلام
لكن الإيماء الثاني من جانب المخاطبين، ينهض دليلاً على تعذر التفاهم معه بالكلام
والحاجة إلى الإشارة التي يمكن أن تقوم مقام الكلام!
على أن هذه العقوبة الظاهرة كانت في واقع الحال رحمة من الرب بالرجل
الذيي عاد إلى بيته، لتنضم إليه زوجته في نوع من العزلة
إذ «أخفت نفسها خمسة أشهر قائلة هكذا قد فعل بي الرب في الأيام التي نظر فيها إلى
لينزع عاري بين الناس» (لو 1 : 24 و25)
كان على زكريا وامرأته أن يقضيا فترة خصبة في روح التأمل والشركة مع الله
وكان عليهما أن يصما آذانهما عن البشر والعالم، ليشكرا الله على العطية الجديدة المرتقبة
ولكي يتعلما في السكون والصمت حكمة أعلى وأسمى وأقوى!
ومن المناسب على أي حال في قصة الحياة أن نربط بينها وبين التأملات التي لابد منها
ونحن على مقربة من التوقعات الكبرى التي تبدو لنا قريبة
وقد قيل إن رمسيس الثاني تعود أن يخرج من زمام الحياة، إلى غرفة
كان يطلق عليها اسم «غرفة التأملات»
ونحن في القرن العشرين أكثر حاجة إلى هذه الغرفة، التي فيها يمكن
أن نتعلم الكثير من الدروس والعلوم والحقائق، ولعل الجبال التي كان يقطن فيها زكريا
- والتقليد يقول إنها جبال حرمون -
ساعدته كثيرًا على التأمل والسكون في حضرة الله!
ومن اللازم أن نتذكر - بالإضافة إلى ذلك - أن الله اعطي الجواب على سؤال زكريا القديم
وهو في هيكل الله، ومع أننا نستطيع أن نأخذ جواب الله في كل مكان
لكن ما أكثر ما يلتقي بنا الله بالجواب العظيم، في بيته المبارك
عندما نصرخ أمامه :
«لتستقم صلاتي كالبخور قدامك ليكن رفع يدي كذبيحة مسائية»
(مز 141 : 2)
عندما نضع صلاتنا أمامه وننتظر!