الألم فرصة للتعبير عن محبتنا للمسيح:
و نحن لم يوهب لنا في عالمنا الحاضر فرصة أو وسيلة يمكننا أن نعبر بها عن حبنا للمسيح,
أعظم من أن نتألم فرحين على حد قول بولس, مكملين ألام المسيح في أجسادنا,
و حاسبين أنفسنا أهلا أن نتألم معه على نمط تألمه, أي عن حب لا عن اضطرار.
و إن كان بعض العلماء و الأطباء يدعى أن الانتصار على الألم يكون بتجاهله
أو الانشغال عنه بنوع من أنواع التسلية اللذيذة, إلا أن هذا ليس بالنصح الرشيد,
فلن يمكن الانتصار على الألم بتجاهله أو بالانشغال عنه,
لأنه بذلك لن يكف عن أن يهد في كياننا الجسدي و النفسي,
و لن يتم الانتصار على الألم إلا بتقبله قبولا حرا, متعرفين على أسبابه و أهدافه.
إذ أن قبول الألم و الارتضاء به فيه نصرة أكيدة و عجيبة,
خصوصا إذا كان قبولنا له على الأساس حبنا للمسيح و مشاركتنا حياته,
كما تقبله المسيح حيا لأبيه و لنا. و يقول الرسول عن ذلك, معبرا تعبيرا عميقا:
"لأنه قد وهب لكم لأجل المسيح لا أن تؤمنوا به فقط بل أن تتألموا لأجله"
( في 1: 29).
و في هذا يفتتح يعقوب الرسول رسالته قائلا:
" احسبوه كل فرح يا إخوتي حينما تقعون في تجارب متنوعة"
(يع1:1)
نودع جسد الميت, أما روحه فهي أعظم من أن نودعها:
هوذا يا آخى نحن نودع هياكل أجسادنا التراب لتبلى و تعود إلى التراب
الذي نمت و تربت فيه.
اما هياكل ارواحنا فهي أعظم من التراب و أعظم من الكاتدرائيات العظمى
التي نظن إنها تقدس أرواحنا, لان روح الإنسان من الله.
لهذا فهي لها كرامة أفضل بقدر فضل باني البيت عن البيت نفسه,
فان كانت علائق حبنا و ربطنا ألفتنا جسدية فقط, فما أضعفها علائق,
و ما أهونها ربط لأنها تكون وشيكة الضياع, سريعة الزوال.
و الزمن الحقير في سنين يسيرة قادر أن يضعفها و يمحوها !
أما إذا كانت ألفتنا روحية و حبنا و وحدتنا قائمة على أساس عمل المسيح
في توحيد المؤمنين به, فهذه تكون ألفة الأبد و محبة الخلود الذي
لا يقوى الزمن مهما طالت به كل السنون أن يضعف من شدتها.
فهل نرفع علائقنا بأحبائنا – سواء الذين سبقوا فرحلوا أم الذين أعطى لهم زمانا قليلا بعد
– فنكمل معهم وحدة الخلود الأبدية في شخص المسيح ؟
فلا تعود العواطف الجسدية و الحنين إلى صور الوجوه فقط تستأثر روحنا,
بل نسمو بأرواح أحبائنا و صورهم لنراها حية خالدة مطبوعة على قلب المسيح,
يربط بها روح المسيح الحي فينا.