† إن الذين يرتاحون داخل العالم المادي ولا يهتمون بخلاص نفوسهم يشبهون العصافير الساذجة ,
التي لا تتحرك بقوة داخل البيضة لكي تكسر القشرة وتخرج فرحة إلى الشمس
-إلى الطيران السماوي في الحياة الفردوسية-
بل تبقى دون حراك وتموت داخل القشرة.
† إن الذين يخافون الموت ويحبّون الحياة الباطلة يخافون أيضًا من الميكروبات,
وبالتالي يلبثون تحت سلطة الجبن الذي يجعلهم أسرى هذه الحالة الروحية المائتة.
† إن الناس الجريئين لا يخافون الموت أبداً, لذا فهم يجاهدون بتفان ونكران للذات.
وإذ يضعون الموت نصب أعينهم متأملين فيه كل يوم يستعدّون روحيًا ويجاهدون بأكثر جرأة.
وهكذا يغلبون الباطل ويعيشون في الأبدية ابتداءً من هنا بفرح فردوسي.
† لا ننتظرن أن يُينتزع العالم الباطل منا بسهولة بينما يحلو لنا الوجود فيه.
أما عندما نتغرب عن العالم فيتغرب عقلنا بسهولة عنه ويسعى لأن يكون بقرب الله.
وعندما يبدأ العقل بالتردّد إلى جوار الله, فإنه أحياناً كثيرة ينسى مسكنه ومسكن نفسه أيضًا,
أي جسده الترابي.
† إن البشر الذين يعطون كل شيء لله ويودعونه كل ذواتهم يعيشون تحت قبة الله الكبيرة
بحماية العناية الإلهية. عندئذ يصبحون أولاداً لله ويمكنهم من خلاله تعالى مساعدة العالم التعيس
بصلواتهم وباستنارتهم الإلهية فيعطون التوجيه المستقيم للناس كي يقتربوا من الله ويجدوا خلاصهم
وسعادتهم وسلام نفوسهم من جراء تعزية الله لهم, لأن راحة النفس توجد فقط بقرب الله.
† إن الذين يبتعدون عن الله لايجدون الراحة في أي مكان.
لذا فإنهم يدورون قلقين حتى حول القمر,
لأن كوكب الأرض بكلّيته لا يُهدئ قلقهم.
وإذ يدورون مثل "قشاط المكينة" بسرعة جنونية ويهدرون مالاً كثيراً في الهواء,
ويكلفهم سفرهم الطويل هذا كثيرًا من الخبز,
يلبث العديد من البشر صائماً وجائعًا حتى في القرن العشرين هذا.
† بداية الشر تنطلق من العقل, خاصة عندما يهتم فقط بالعلوم
ويبقى بعيداً كل البعد عن الله. فمثل هؤلاء الناس لايجدون السلام الداخلي ولا الإتزان.
بينما إذا اهتم عقلهم بالله مستخدمين العلم لتنمية إنسانهم الداخلي من أجل العالم,
عندئذ يتقدّس عقلهم.
† للأسف, إن العلم الخارجي (الدنيوي) بات مشوَّها للبشر وحتى للطبيعة الجميلة التي خلقها الله,
مما يجعل حياة الناس غير طبيعية ومليئة بالقلق الذي يقود المئات منهم كل يوم -حتى الأطفال-
إلى علماء النفس وأطبائه.
ناهيك عن المستشفيات النفسية التي تُبنى باستمرار وترسل أطباء للتخصص,
بينما أغلبهم لا يؤمنون بالله ولا يقبلون بوجود النفس.
فكيف لمثل هؤلاء أن يساعدوا النفوس, بينما هم أنفسهم يحيون قلقين؟
أم كيف يمكن للإنسان أن يتعزى حقيقياً إن كان لا يؤمن بالله والحياة الأبدية بعد الموت؟
إذاً عندما يدرك الإنسان معنى الحياة الحقة بعمقها يفارقه القلق
برمته وتأتيه التعزية الإلهية فيشفى.
† إن الأطباء الذين يعطون الأولوية للثقافة الداخلية (للنفس)
ويستخدمون العلم الخارجي من أجل الثقافة الداخلية, هؤلاء سرعان ما يتجلون
بالروح ويصبحون قادرين على مساعدة الكثيرين من الناس مساعدة إيجابية,
محررين إياهم من قلق الجحيم وموجّهينهم إلى الفرح الفردوسي.
ويمكن لهؤلاء الأطباء المؤمنين بالله, أحياناً كثيرة أن يقدموا بشهاداتهم الصغيرة مساعدات كبرى,
لأنهم ذوو نعمة كبيرة لا ذوو "أوراق كثيرة" (شهادات).
† زهرة صغيرة من صنع الله قيمتها تفوق باقة من الزهور الإصطناعية
وتختلف عنها كما يختلف اللهيوليّ عن النايلون.
من كتاب "رسائل الشيخ المغبوط الذكر الراهب باييسيُوس الآثوسي"
ترجمة الأب المتوحد إسحق الآثوسي