مهمة السابق: التهيئة
كانت مهمة السابق شاقة ومحدّدة، من قبل العناية الإلهية.
فقد سبق الله فأخبر عنها في أسفار الأنبياء:
"هذا سيكون عظيماً أمام الرب.. ويمتلئ من الروح القدس..
ويردّ كثيرين... وهو يتقدّم أمامه بروح إيليا وقوته ليردّ قلوب الآباء إلى الأبناء...
ويعدَّ للرب شعباً كاملاً (لو 1/15)، وأيضاً:
"صوت صارخ في البريّة، أعدوا طريق الرب... هاءنذا مُرسل ملاكي قدّامك.."
(مر 1/2).
وشدّد الإنجيلي في بدء إنجيله على تبيان مهمة السابق بأنه مُرسَل من الله:
"هاءنذا مرسِل ملاكي أمام وجهك.."
فيوحنا هو سابق للمسيح، وصوت صارخ، ومُعدّ للطريق،
ورسول يحمل البشارة السعيدة بأن المنتظر قد قدم ليسكن في الأرض.
وهذه المهمة ظهرت فجأة. لا نعرف إلا مولد يوحنا، ثم مهمته، ثم موته.
يوجد تشابه كبير بين المسيح وسابقه:
فبعد خفاء يظهران فجأة. الإثنان بعيدان عن ضجيج الدعاية والإعلان.
أليس هذا دليل على أن المهمة الكبرى يسبقها عادة تعميق، وترسيخ واختلاء وصمت.
ان الرسالات الكبرى تُهيّأ بالصمت.
كانت مهمة يوحنا تهيئة الطريق للمنتظر يسوع.
فقام يوحنا بالمهمة أحسن قيام.
فكان ينادي، ويصرخ:
"قد اقترب ملكوت السماوات".
كان يحثّ الناس للإرتداد حتى يتهيّأوا لمجيء الماسيّا قائلاً:
"توبوا... اثمروا ثمراً يليق بالتوبة" (متى 3/8).
ونراه يختفي ليظهر المرسل من الله بأجلى بيان:
"له ينبغي أن ينمو ولي أن أنقص..." (يوحنا 3/30).
حتى الأرض أراد يوحنا أن تتهيّأ لمجيء المسيح
"كل وادٍ يمتلئ وكل جبلٍ وتلّ ينخفض والمعوج يستقيم ووَعْر الطريق يصير سهلاً."
(لو 3/5).
هذا هو السابق الحقيقي: يظهر ثم يختفي؟
يبين حتى يظهر غيره، لا طمع عنده، ولا ملتمس ومطلب.
مهمته الوحيدة الأساسية هي التهيئة:
أنا صوت صارخ في البرية أعدّوا طريق الرب واجعلوا سبلُه قويمة".
(لو 3/4).
مقوّمات الرسالة الحقّة هي هذه:
تهيئة وتحرك وعمل، إنما بانتظار مجيء المسيح.
"لا لنا يا رب لكن لاسمك أعطِ المجد."