الأحد الّذي قبل الظّهور
الإلهيّ...
صوتُ وَعْدِ السّنة البِكر!!.
وكان الميلادُ!!...
كان بنَغَمِ ترتيلِ الملائكةِ ودموعِ الأطفالِ المقتولين في أحشاءِ أمّهاتِهم المذبوحين ليسوعَ...
كان ميلادُ الحبِّ هكذا معمَّدًا بآلامِ السّقوطِ عن رحمةِ وحنّانِ الآبِ بآدمَ وحوّاءَ في الفردوسِ، كي يُسَمِّمَ الشّرّيرُ إنعاماتِ إلهِ الحياةِ والنّورِ لتصيرَ أرضُ الأحياءِ ظلامًا وقتامَ رؤيا وقتلاً للحبِّ الإلهيِّ!!.
من صدّقَ خبرَنا (هذا) ولم استُعلِنَتْ ذراعُ الرّبِّ؟!.
لنا نحن الّذين صرْنا الآنَ حجرَ زاويةِ الهيكلِ الّذي يبنيهِ السّيّدُ لكنيستِهِ!!.
مرذولون، متروكون، مضروبون، مُضَعْضَعون، كأنَّ لا راعيَ ولا قائدَ لنا، ولا إلهَ!...
وكان
"بدءُ إنجيلِ يسوعَ المسيحَ ابنِ الله... كما هو مكتوبٌ في الأنبياءِ:
هاءنذا مرسلٌ ملاكي أمامَ وجهِكَ يهيّئُ طريقَكَ قدّامَكَ"...
(مر ١: ١).
واستمرَّ الوعدُ!!...
احتدَّتِ الأصواتُ الصّارخةُ فزعَ دفنِ الأطفالِ الأربعين ألفًا
الّذين غارتْ دماؤُهم ملءَ تربةِ اليهوديّةِ...
كان على التّرابِ أيضًا الّذي سيُجبَلُ منه الإلهُ،
الإنسانُ الجديدُ لينفخَ فيه روحَ الشّهادةِ، أن يُسقَى بدءًا بالدّماءِ،
ليصيرَ طعمُ الدّماءِ من طعمِ التّرابِ والحياةِ...
وصارَ وعدُ الحياةِ الجديدةِ المتجدّدةِ بعد السّقوطِ، وعدَ حياةٍ مغمّسةٍ من دمِ الشّهداءِ
الّذين قتلَهم الشّيطانُ بدءًا بذبحِ قايينَ لهابيلَ!!...
ذاكَ كان الذّبحَ الأوّلَ...
قتلُ الأخِ لأخيهِ المولودِ من حشا أمِّهِ حوّاءَ السّقوطِ
وإلتحاقُ آدمَ صوتَ الحيّةِ المنبثّةِ في حشاهُ لتصيرَ الحشا الكونيةُ زانيةً،
قاتلةً كلَّ ما يبذرُهُ الإنسانُ من عطيّةِ الله له!!...
هكذا صارتْ كلُّ ذريّةِ آدمَ الأوّلِ السّاقطِ، ذريّةً ساقطةً مختومةً،
لا بروحِ الإلهِ النّافخِ حياتَهُ فيها، بل خُتمَتْ بختمِ الحيّةِ الشّيطانِ الّتي لبسَتِ الغوايةَ
والكذبَ والاحتيالَ وعدمَ البراءةِ، لتَبذُرَ الأرضُ فيها ومن بعدِها وحتّى يومِنا هذا،
أطفالاً للموتِ لا للحياةِ!!.
وزعقَتْ أصواتُ المراتبِ العلويّةِ جميعُها بصوتِ الملائكةِ:
"هذا هو إلهُنا ولا يُعْتَبَرُ حذاؤه آخر"!!.
وضَرَبَ الصّوتُ الصّارخُ في البريّةِ:
"أعدّوا طريقَ الرّبِّ واجعلوا سبلَهُ قويمةً"...
وأتى البشريّةَ، إنسانيّةٌ جديدةٌ، متجدِّدَةٌ من رحمِ العقرِ من عقمِ الأرضِ
المجبولةِ بدماءِ الأطفالِ صارخًا وكارزًا:
"أعدّوا طريقَ الرّبِّ"!!.
وكان هذا صوتُ سابقِ المسيحِ يوحنّا المعمدانِ...
من يُعدُّ مائدةَ العرسِ، ولا عريسَ له؟!...
كيف يصرخُ الّذي يُصوِّتُ اللّامُدركَ، اللّامعقولَ، اللّامفهومَ، غيرَ العاديِّ والطّبيعيِّ؟!...
الّذي لا قدرةَ للإنسانِ السّاقطِ أن يجترحَ أعجوبتَهُ للخلاصِ من حشاه؟!...
أذاكَ الإلهُ الّذي يعتلي مراقي سمواتِهِ، الغارقُ في بُعْدِهِ،
الّذي لا يُرى ولا يُسمعُ صوتُهُ إلاّ بهديرِ الرّعدِ وانقداحِ نارِ البروقِ
لتُحرِّكَ مياهَ البحارِ فتبتلعَ بشأوِ غضبِها آدمَ والإنسانيّةَ
الّتي خلقَها من ضرعِهِ وحشا زوجِهِ حوّاءَ السّاقطةِ بسقوطِهِ،
ليُفْرعا كذبةَ خفقةِ الموتِ الّذي لا قيامَ منه وفيه إلى حياةٍ أبديّةٍ!!...
لكنَّ الوعدَ تمَّ اليومَ!!...
وعدُ استتمامِ حياةِ الرّوحِ والحبِّ، لا بالموتِ ولكن بالتّوبةِ!!...
لذا بذرَ الإلهُ روحَهُ في بطنِ "أَليصاباتَ" من بذارِ زرعِ النّبيِّ الكاهنِ "زخريّا"
الّذي فقّههُ الرّبُّ في ختمِ عقمِهِ وزوجِهِ، ليقولَ لهما
أنّ لا خلاصَ لكما من "عيبِ" عقرِكما إلاّ بكلمةٍ تأتيكُما من العُلى
لتنفكّا من سخطِ الإلهِ على شعبِكُما وصلاتِكُما عنهم...
لأنّكم كلَّكم تعاملتُم مع الرّبِّ بادّعاءِ معرفةِ حقِّهِ فأسقطكُم!!.
توبوا!!... فقد اقتربَ ملكوتُ السّمواتِ!!...
اليومَ تُستعلنُ البشارةُ الجديدةُ القديمةُ إذ يطرحُ اللهُ الآبُ السّؤلَ لشعبِهِ:
يا شعبي... يا شعبي!!. أهلْ عرفتموني؟!
أهل سمعتُم صوتي في أصواتِ أنبيائي الّذين أرسلتُهم ليُفَقِّهوا أذهانَكُم...
ليسقوا قلوبَكم الرّحمةَ والحبَّ والحنانَ على فقرائِكُم...
لتَسمعوا صوتي في تعليمِ أنبيائِكم، وآبائِكم الّذين إذ لم يعجبْكُم كرزَهم،
قتلتموهم بين المذبحِ وصحنِ الهيكلِ، الّذين شرَّدْتم ذريّتَهم في أرضِ الأحياءِ،
لأنّكم تمسّكتُم بأذيالِ الشّريعةِ وأنماطِ حفظِها حتّى لا يتزعزعَ ملكَكُم!!...
يا شعبي... يا شعبي!!.
قلتُ لكم مرّةً ومرّاتٍ،
"أنا إلهُكم!!"...
فأعرضتُم عنّي بعد سماعِ صوتي إذ أسقطتموه من ذاكرةِ ذهنِكُم!.
ألأنّي أطعمتُكم المنَّ في صحاري غربتِكم ولم أجعلْكم تموتون جوعًا؟!...
لكنّكم في طمعِ بطونِكُم وجوعِها إلى أكلِ اللّحومِ قتلتُم العصافيرَ
والطّيورَ وقتلتُم في البراري الحيواناتِ الّتي أنا زرعتُها لتحرسَ
وتُبذرَ الحياةَ في الغابِ وعلى رؤوسِ الجبالِ
وما عملْتُم التّرابَ الّذي لوّثَه قايينُ بالقتلِ،
حتّى يتجدَّدَ عطاؤُه بالزّرعِ، بالبقولِ، بالنّباتاتِ بالأشجارِ...
أنتم لم تبقوا على رِئَتَي الأرضِ، بل جعلتموها تشتمُّ رائحةَ الدّمِ
فتتعوَّدَ أيضًا وأيضًا على سخطِ غيِّكُم وقسوةِ قلوبِكم على الحيوانِ
والطّيرِ والنّباتِ والأشجارِ ليعمَّ ناموسُ القتلِ والموتِ الحياةِ...
فكيف كيف على الإنسانِ؟!...
البارحةَ، اليومَ، وفي الغدِ
ستُبقون لعنتَكم على ذريّتِكم وعلى أولادِ أولادِكم إن لم تتوبوا!!!...
ستبقون زرعَكُم في أرضٍ عجفاءَ لا تقتبلُ لا الحبَّ ولا الماءَ!!.
ستقاتلون ذريّتَكم إن لم يقتلوا ويذبحوا العدوَّ الّذي هو أخوكم!!.
ستكذبون على إلهِكم في صلواتِكم ورفعِ أيديكم!!.
ستدقّون بأكُفِّكُم صدورَكم حتّى يَسْمَعَ لا خبطَ دموعِكم عند قدمَي ربّكُم وقدمَي أخيكم،
بل ليصيرَ خبطُ أيديكُم صوتًا يُعلنُ بدءَ الحربِ الّتي أعلنتموها على ربِّكُم
منذ فتحِ منافذِ حسِّكُم بدلَ أن تحوِّلوها حربًا على أهوائِكم!!...
يا شعبي!!. يا شعبي!!.
اليومَ وأنا إلهُكُم أذبحُ قلبي على درجاتِ هياكِلِكُم، لتلدَ العذراءُ لكم إلهًا جديدًا...
صبيًّا جديدًا... فرحًا جديدًا...
يعطيكُم بحبِّهِ عنكم خلاصَكم على الصّليبِ!!...
هذا ما قدّمتُهُ لكم منذ بدءِ الكونِ وما عاينتموه ونسيتموه
فعدْتُم إلى القتلِ والذّبحِ والطّمعِ وحبِّ الظّهورِ والرّئاسةِ والتّسلّطِ بالمالِ
والبنونَ وإفناءِ عملَ يدي أنا ألهَكم،
لتصيروا أنفسُكم آلهةً على ذواتِكم!!.
اليومَ آتيكُم بنبيٍّ "يوحنّا" (حناني) وبابني الوحيدِ،
بكري يسوعَ، ليُعمِّدَ أرضَ أورشليمَ بالتّوبةِ والصّوتِ الصّارخِ:
توبوا فقد اقتربَ ملكوتُ السّمواتِ!!...
اليومَ الإلهُ المثلّثُ الأقانيمِ يصرخُ في أعمقِ أعماقِكُم...
أنا أبوكُم!!. ربُّكم!!. وإلهُ خلاصِكم!!...
أتيتُ لأعمِّدَكم بتوبتِكم عن خطاياكم فأُبيِّضَها وإن كانت مغمَّسةً تطفحُ بالدّمِ،
وأُلبسَكُم ثوبًا ناصعًا...
رقّةَ حبٍّ ووداعةً واتضاعَ قلبٍ،
فتصيروا بقلوبِ أجسادِكُم، آلهةً فأقبلَكم وأُسميَكم...
أُورشليمَ الجديدةَ مدينةَ الملكِ الجديدِ يسوعَ المسيحَ.
آمين...
الأمّ مريم (زكّا)