فإنه يشرق شمسه على الأشرار والصالحين
ويمطر على الأبرار والظالمين
ولكن عندما دعانا ابن الله الوحيد نفسه إلى هذه البنوة
إنما دعانا للتشبه به لذلك قال:
فإنه يشرق شمسه على الأشرار والصالحين، ويمطر على الأبرار والظالمين.
ولكن ما هي هذه الشمس؟!
إما أن تكون شمسًا غير منظورة للعين الجسدية، أي تلك الحكمة التي قيل عنها أنها
"ضياء النور الأزلي" (حك 26:7)
كما قيل عنها "شمس البرً تشرق عليَّ"
وأيضًا: "لكم أيها المتقون اسمي تشرق شمس البرّ" (مل 4: 2).
وبالمثل يكون المطر غير منظور، قاصدًا به تعاليم الحق واروائها لنفوسنا
لأن السيد المسيح جاء للصالحين والأشرار، وبُشّر به للأبرار والظالمين.
وإما أن تكون هي تلك الشمس المنظورة التي تراها جميع المخلوقات، كذلك المطر
يكون هو ذلك المطر المنظور الذي عليه تنمو النباتات التي تقّوت الجسد.
وهذا التفسير أظنه أكثر احتمالًا، لأن الشمس الروحية لا تشرق سوى على الصالحين والقديسين
إذ نرى في سفر الحكمة الأشرار يبكون قائلين:
"لم تشرق علينا الشمس" (حك 6:5)
كما لا يروي المطر الروحي غير الصالحين، لأنه قصد بالشرير تلك الكرمة التي قيل عنها:
"وأوصي الغيم أن لا يمطر عليهِ مطرًا" (إش 6:5).
ولكن سواء فهمنا الشمس والمطر بمعنى أو بآخر، فلنقتدِ بصلاح الله
إذ أمرنا بمشابهته إن كنا نريد أن نكون أبناء له.
أين ناكر المعروف هذا الذي لا يشعر بعظم نعمة هذه الحياة التي تجلبها الشمس المنظورة
والمطر المادي؟
إن هذه النعمة توهب في هذه الحياة للجميع، للأبرار كما للأشرار.
غير أنه لم يقل "يشرق الشمس" بل أضاف علامة الملكية (شمسه)
أي التي صنعها وأوجدها، دون أن يأخذها من أحد، وذلك كما جاء في سفر التكوين
عند خلقه الكواكب.
إنه يليق بالله أن يقول عن كل ما خلقه أنه ملكه. فبوصيته هذه ينصحنا أن نكون أسخياء
في إعطاء أعدائنا الأشياء التي لم نخلقها نحن، بل أعطيت لنا من الله.
ولكن من يستطيع أن يكون مستعدًا لاحتمال شرور الآخرين لأجل خلاصهم
بل ويحتمل شرورًا مضاعفة لأجل نفعهم
بل ومن يستطيع أن يعطي كل من يسأله أو يستطيع ألا يرد من يريد أن يقترض منه
ومن يستطيع أن يحب أعداءه ويحسن إلى مبغضيه ويصلي لأجل الذين يطردونه...
أقول من يستطيع تنفيذ هذه الأمور غير الشخص الرحيم تمامًا؟!
متممًا بذلك القول الإلهي
"إني أريد رحمة لا ذبيحة".
لذلك "طوبى للرحماء لأنهم يرحمون".
منقول