" نحن بالحقيقة أبناء الله"(7)
مادونا عسكر
من المؤلم أن نرى شبابنا وبناتنا في هذا الزمن الغارق في الضّلال يبتعدون عن الإيمان
وينجرّون وراء أمور يعتقدون أنّها تغني عقولهم، في حين أنّها تضلّهم وتبعدهم عن الحقيقة.
والأكثر إيلاماً واقعنا كأهل، فبأغلبنا سرقنا العمل واللّياقات الاجتماعية والمظاهر الخارجيّة،
والسّعي لادّخار المال وتأمين مستلزمات الحياة، حاجيّات كانت أم كماليّات،
حتّى وصل بنا الأمر إلى الابتعاد نحن أنفسنا عن الحقيقة.
فأصبحنا آلات تعمل وتنتج وبدأنا نفقد إنسانيّتنا المدعوّة إلى ما هو أعظم من ذلك.
فمن يدلّ أبناءنا على الحقيقة، المسيح الحيّ؟
ومن يؤكّد لهم أنّه الطّريق والحقّ والحياة،
وسط الطّرقات الكثيرة المعوجّة والحقائق العديدة المضلّة والحيوات المؤدّية إلى الهلاك؟
في الماضي كان الآباء يعملون طوال اليوم في حقولهم
وكانت الأمّهات أيضاً يعملن إمّا في مساعدة أزواجهنّ
وإمّا في الانهماك في تأدية واجباتهنّ المنزليّة الكثيرة والعديدة.
وعلى الرّغم من كلّ ضيق وصعوبة وتعب
إلّا أنّهم كانوا يهتمّون في تعريف أبنائهم على المسيح الرّبّ
ويواظبون على الصّلاة وعلى الخدمة والمحبّة.
أمّا اليوم ومع كلّ التّسهيلات والحياة المرفّهة والعلوم المتقدّمة
إلّا أنّنا نخصّص الكثير من الوقت للتّفاهات والسّخافات ونجرّ أولادنا إليها،
عن جهل وليس عن سوء نيّة بالتّأكيد.
أبناؤنا اليوم بحاجة أكثر من أي وقت إلى أن نقرّبهم من يسوع المسيح
ونعلّمهم كيف يحيون فيه وكيف يصلون به ومعه إلى الحياة الحقيقيّة.
هذا التّعليم يترسّخ في التّربية على يسوع المسيح.
بمعنى آخر تربية الأبناء على منطق يسوع المسيح ومساعدتهم على معرفة قيمتهم الرّفيعة والمقدّسة
في عينيه وذلك من خلال رؤيتهم لقيمتهم في عينينا.
عندما يشعر الولد أنّه مهمل ومتروك من أهله،
كيف له أن يفهم اهتمام الله به ومحبّته له؟.
وعندما يرى أنّ والديه استقالا من مهامّهما التّربويّة وأوكلاها للخادمة
على سبيل المثال أو سواها، فيكف له أن يتبيّن حبّ الله كأب وأم؟
إنّ صلة الابن بأبيه وأمّه تحدّد صلته بالله، وعلاقته بهما تحدّد علاقته بالله.
ولئن كان الإيمان علاقة حبّ مع الله وجب أن يتمرّس الأبناء على نوعية هذه العلاقة
وتفاصيلها وحيويّتها من خلال علاقتهم بآبائهم وأمّهاتهم.
المسيحيّة تربية، والدّخول في سرّ يسوع المسيح يتجذّر في التّربية
لأنّ المسيحيّة ليس فكرة أو نظريّة تُدرّس أو منهجاً فكريّاً يُعتمد.
إنّها علاقة حبّ بين الله والإنسان وبالتّالي ولكي تنجح هذه العلاقة وتنمو وتعظم،
ينبغي الاهتمام بها والولوج بمن نحبّ لنتعرّف عليه أكثر ونختبره أكثر
حتّى نحبّه أكثر ومن بعد لا نحبّ سواه.
من المؤكّد أنّ الرّبّ لا يترك أحداً ولا يغفل عن جذب الكلّ إليه
ولكن يجب أن نذكر دائماً أنّنا عينا الله ويداه وفكره وقلبه.
بنا يلتقي بالآخر ويحبّه ويربّيه ويرافقه ويرعاه، وبنا ومعنا يربّي أولادنا.
وهو الّذي أرادنا شركاء له في الخلق، أرادنا أيضاً شركاء ومؤتمنين على تربية أبنائه.
" انموا واكثروا، واملأوا الأرض وأخضعوها" (تك 1: 28).
إنّه مشروع الله لحضارة الحياة، فالمسألة ليست عدديّة
وإنّما حضاريّة بحيث أنّ الإنسان موكل بإنماء صورة الله وملء الأرض بها.
النّموّ الحقيقي يبدأ بالحبّ بين الرّجل والمرأة ثمّ ينتقل إلى الأبناء
ثمّ إلى المجتمع كلّه، وبهذا تتحقّق حضارة الحبّ على الأرض،
أي حضارة السّماء على الأرض.