كتاب كلمة منفعة - البابا شنوده الثالث
الطريق الروحي
حياة التوبة هى بداية الطريق الروحي، لأنها انتقال من مقاومة الله ومعاداته إلى السير في طريقه.
ولكن الطريق طويل يهدف فيه الإنسان إلى أن يحيا حياة القداسة التي "بدونها لا يعاين أحد الرب".
وقد قال الرب "كونوا قديسين كما أن أباكم الذي في السموات هو قدوس".
والقداسة درجات، ينمو فيها الإنسان واضعًا أمامه مثال الرب نفسه لكي يقترب إلى صورته ومثاله..
وهكذا يتطور المؤمن من مجرد حياة القداسة، ساعيا نحو الكمال الذي يطالبه الرب به.
فقد أمرنا الرب بهذا الكمال في قوله "كونوا كاملين كما أن أباكم الذي في السموات هو كامل".
إن بولس الرسول الذي صعد إلى السماء الثالثة ورأى أشياء لا ينطق بها، الذي منحه الرب مواهب كثيرة واستعلانات، واختاره ليحمل اسمه بين الأمم، فتعب أكثر من جميع الرسل.. بولس هذا يقول عن كل القمم الروحية التي وصل إليها "ليس أني قد أدركت وصرت كاملًا، ولكنى أسعى لعلي أدرك.. أفعل شيئًا واحدًا، إذ أنا أنسى ما هو وراء وامتد إلى ما هو قدام، أسعى نحو الغرض (اقرأ مقالًا آخر عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في قسم الأسئلة والمقالات).. " ويختم نصيحته بقوله "فليفتكر هذا جميع الكاملين منا" (فى3: 12 -15).
ما هو هذا (القُدَّام) الذي يسعى إليه بولس؟
إنه يقول لأهل أفسس "حتى تستطيعوا أن تدركوا مع جميع القديسين ما هو العرض والطول والعمق، وتعرفوا محبة المسيح الفائقة المعرفة، لكي تمتلئوا إلى كل ملء الله" (اف3: 19).
ما أعجب عبارة "تمتلئوا إلى كل ملء الله"..
الكمال في الطريق الروحي، ليس له حدود..
كلما تجتاز مرحلة منه، تشعر أن أمامك مراحل أخرى طويلة.. كأنك لم تتقدم شيئًا، فتزداد انسحاقًا.
تكون كمن يطارد الأفق. كلما تصل إلى المكان الذي تظن فيه السماء منطبقة على الأرض،
تجد هذا المكان قد امتد أمامك.. إلى غير حدود.
مادام الأمر هكذا، فلتتقدم إذن إلى أمام..
فإن كنا لم نصل بعد إلى توبة، أي إلى بداية الطريق..
! فهل نقول إننا خارج طريق الله؟!