وحدي!.
الزّائر: بارك أيّها الأب.
الشّيخ الرّوحيّ: فليباركك الله يا ولدي، أراك وحيدًا.
الزّائر: نعم للأسف وحيد، لقد تخلّى الجميع عني.
الشّيخ الرّوحيّ: هل تخلّوا عنك أم أنّك أنت انصرفْتَ عنهم؟.
وهل أنت حزينٌ لكونك وحيدًا؟.
الزّائر: نعم أحزن لكوني وحيدًا وأتألّم كثيرًا،
لكنّي أقسم لك أنّي لست المذنب. فأنا أحبّ كلّ النّاس، حتّى الغرباء والّذين لا أعرفهم،
وأنا على استعدادٍ لأضحي بروحي لأجل كلّ البشريّة،
لكنّ المشكلة أنّي لا أستطيع أن أحبّ وأتقبّل إنسانًا معيّنًا بمفرده.
لا أعرف ماذا يصيبني ما إن يقترب أحدٌ منّي، أضطرب وأشعر أنّ حضوره يزعجني.
يزعجني أيّ شيء قد يفعله أو يقوله الآخر ولا أستطيع احتماله.
لذلك ينتهي بي الأمر لأكون وحيدًا دومًا.
هذه هي مأساتي ولهذا الأمر جئت إليك لأعترف.
الشّيخ الرّوحيّ: يا بنيّ، يبدو لي أنّك شخص صالحٌ.
وواضحٌ أنّك تعاني. قُلْ لي كلَّ ما لديك. الله يسمعُك وسيمنحك فرحًا وسلامًا، لكن فقط بشرط أن تكون واضحًا وصادقًا.
ولا تخف وتخجل أن تبوح بكلّ ما يجول في ذهنك...
وأنصحك أن لا تحاول تبرير ذاتك لتخفي أخطاءك وعيوبك.
الزّائر: نعم، أيّها الشّيخ، لست أكذب عليك، فأنا أحبّ البشريّة كلّها.
وأريد أن أضحي لأجلها. أحلم بمجتمعٍ سعيدٍ أكون أنا سببًا في سعادته.
أحبّ الله لكن...
الشّيخ الرّوحيّ: لكن ماذا؟... تابع يا ولدي.
الزّائر: لكنّ أحلامي الجميلة هذه كلّها ينقضها ويدمّرها الآخر، أيّ آخر قد ألقاه في حياتي.
رغبت بالزّواج، لكنّي لم أستطع أن أتزوّج، لأنّي خفتُ ألا أجد المرأة الّتي تناسبني،
وها أنا أعيش وحيدًا. كنت أودُّ لو يكون لديّ أصدقاء كثر، لكن ليس لديّ،
وأقضي وقتي لوحدي.
يزعجني الآخرون، ولكي تصدقني وتفهمني أكثر سأعطيك مثالاً:
أتينا إلى الجبل المقدّس ثلاثة، أنا واثنان آخران.
زرنا أحد الأديار وهناك وضعونا نحن الثّلاثة في غرفةٍ واحدة.
وهناك لم تغمض عيناي طوال اللّيل، إذ إنّ أحدهما كان مصابًا بالرّشح،
يعطس طوال اللّيل، أما الآخر فنام فورًا وأخذ يحلم ويتكلّم في نومه.
فعندما أشرق الصّباح حملْتُ أمتعتي وتركت الدّير وحدي وأتيْتُ إليك،
وكنت أقول كلّ الطّريق أنّي لا أريد بعد في هذه الحياة إلا الله وحده، وهو يكفيني.
هذه هي قصتي، صدّقني إنّي أحبّ البشريّة بالمطلق لكنّني لست قادرًا على احتمال
ومحبّة شخص بمفرده.
الشّيخ الرّوحيّ: لقد سمعتك يا بنيّ، تبدو صادقًا،
لكنّك ترتكب خطأً دون أن تدرك.
وسأظهر لك بمحبّةٍ أين تكمن خطيئتك.
فأنت لا تحبّ أحدًا، باستثناء واحدٍ. وهو أنّك تحبّ ذاتك فقط لا أحد آخر.
أنت تعبد ذاتك دون أن تدري.
ربّما تريد الله بصدقٍ، لكنّ الله لا يأتي هكذا، إنّما يتّخذ شخص قريبنا،
فإذا ما قبلتَه عندها سيأتيك الله ويكون معك.
عليك أن تدرك أنّ الآخر حتّى لو كان مصدر إزعاجٍ لنا فهو طريقنا للخلاص.
هذه هي المحبّة المضحيّة، هذا هو صليب الخلاص. المحبّة لا تنتظر ولا تطلب أجرًا.
هذه هي المحبّة الّتي تنقصك لكي تحتمل الآخرين.
أما قولك أنّك تحبّ البشريّة لكنّك لا تقوى على حبّ شخصٍ ما،
فهذا قمّة الأنانيّة وحبّ الذّات الّلذان سيحرمانك الفردوس الّذي ليس هو في الحقيقة إلا الآخر.
تذكّر دومًا يا ولدي الحقيقة الّتي يعلّمنا إيّاها آباء البريّة،
وهي أنّنا لا يمكن أن نخلص إلا من خلال القريب...
اذهب الآن وعد إلى رفاقك وتعلّم الصّبر معهم ومنهم.
|