الزّيز
كان إنسانٌ من المدينة يتنزّهُ في وسطِ العاصمة مع صديقٍ له جاء من قريةٍ بعيدةٍ.
كان الوقت ظهرًا، وكانت الشوارع مكتظةً بالنّاس،
مليئة بضجيج السّيارات، وأصوات صفّارات سيارات الإسعاف؛
فشعرا وكأنّ ضجيج المدينة يصمّ أذانهم.
فجأةً، قال القرويّ لصديقه: - سمعت صوت زيز!. فأجابه صديقه: - هذا مستحيل مع كلّ هذا الضّجيج!. - لكنّي متأكّد، سمعتُ صوت زيزٍ!. - هذا جنون!.
أصغى القرويّ، للحظةِ، بانتباه، ومن ثم عبر الشارع بسرعةٍ نحو ناحية خضراء
فيها بعض الأشجار، وفتّش حول الأغصان وتحتها؛ فوجد زيزًا صغيرًا!
إذ ذاك، تفاجأ صديقه كثيرًا وقال:
- هذا أمر لا يصدّق!.
يجب أن تكون الأذن خارقة الطّبيعة لسماع صوت الزّيز
في وسط هذا الضجيج!
- كلا أبدًا، إنّ أذنَيَّ شبيهتان بأذنَيكَ.
الفرق هو في ما تسمع بهما.
- لكن هذا مستحيل!.
أنا، لا يمكنني سماع صوت زيزٍ في هذا الضجيج!.
- هذا رهنٌ بما تحسبه مهمًّا لك.
اسمحْ لي أن أريك شيئًا.
وضع القرويّ يده في جيبه وأخرج بضعة أحجارٍ نقدية،
وجعلها تقع على الرّصيف بخفيةٍ، من دون أن يلحظ أحد ذلك.
عندئذ، وعلى الرّغم من ضجيج المدينة، لاحظا أنّ كلّ النّاس،
الموجودين في حدود خمسة أمتارٍ منهما، التفتوا ونظروا نحو الأرض ليروا
ما إذا كانت النّقود الّتي وقعت تخصّهم.
فقال القرويّ لصديقه:
- أفهمتَ ما أريد قوله؟!.
كلّ شيء رهنٌ بما هو مهمٌّ بالنّسبةِ إليك.
إذ تسمع، يومًا بعد يومٍ،
وسائل الإعلام والأخبار السّياسيّة والمآسي المتراكمة والكوارث الكثيرة،
تعتاد الأذن، الّتي هي امتداد لذهننا، سماعَ كلّ ما هو سيّئ.
بهذه الطّريقة تُساق إلى الخوف!، وتدريجيًا، نصبح عاجزين،
فنخشى الطائرة، والبرد، والهواء، والأطعمة، والأوبئة...
نخشى النّاس المحيطين بنا... والأخطر من ذلك، أنّنا نخشى مشاعرنا.
الحقيقة هي أنّنا بسماعنا هذه "الأخبار" الّتي هي غبار لآذاننا، نقع في الفخ!.
نبدأ بتصديق أنّ الجو الاجتماعيّ العام ثقيل، وأنّ النّاس أشرار،
وأنّنا نعيش في عالم مليء بالشّكوك، حتّى يصعب علينا الثّقة بأحد...
وفي أثناء ذلك كلّه، الزّيز يغنّي، وأوراق الأشجار ترتقص، وجداول المياه تهمس،
ونحن... لا نسمع سوى أصواتِ افكارِنا!...
|